تتحدّث الرواية عن فترة تسعينيات القرن الماضي، ويقول الناقد العراقي يوسف عبود جويعد إن الروائي “وضع متلقّيه في خضم أحداث ملتهبة ساخنة، إذ سرعان ما ننتقل إلى القرية وهي متاخمة للأهوار، ما يسمح للحيوانات المفترسة بالدخول إلى القرية لتصطاد فرائسها” في رمزية لافتة.
في روايته الثانية التي حملت عنوان “أنياب تلتهم الظلام” يناقش الروائي العراقي سعد الأزرقي واقع الأهوار والمدن الجنوبية العراقية وريفها، معيدا عقارب التاريخ لمنتصف التسعينيات، حيث يطبق الحصار القاتل وتنشأ الحرب مع إيران وتتحصّن قوى المعارضة في القصب والبردي بالأهوار.
هذه الرواية -التي عدها النقاد “ضاجّة” بالأحداث ووصفوا سردها بالمراوغة- أدخل كاتبها عنصر الفعل الغرائبي إليها وتطلب منه ذلك أيضا إدخال الرمزية وابتداع الوحش في حياة القرى الجنوبية وخاصة مدينة العمارة.
وقد ضُمت مناطق الأهوار (جنوبي العراق) إلى لائحة التراث العالمي عام 2016، حينما صوتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” (UNESCO) بإجماع أعضائها على ضم الأهوار إلى لائحة التراث العالمي.
والأهوار كانت مركزا ثقافيا لعرب الأهوار الذين يعدون الوريث الشرعي للحضارتين السومرية والبابلية، ووصفتها اليونسكو حينها بأنها “ملاذ تنوع بيولوجي وموقع تاريخي لمدن حضارة ما بين النهرين”.
الحكاية ورمزية الفكرة
الروائي سعد الأزرقي حاصل على إجازة في الإعلام، وهو من مواليد 1965 بمحافظة ميسان جنوب العاصمة العراقية بغداد، وهو قاص وشاعر وروائي وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق ونقابة الصحفيين العراقيين، وقد نشر الكثير من النصوص في الصحف والمجلات العراقية والعربية.
يقول عن روايته إنها” تحاول رسم صورة أخرى لواقعنا الذي نعيشه”، وهو واقع “جعل كل شيء في الاتجاه المعاكس الذي يخالف تطلعات المجتمع وحياته”.
ويضيف أنها “رواية بعدسة تصور الموجب لواقع سالب والعكس صحيح، ولهذا ربما تكون ردّة فعل لما يعيشه الإنسان العربي والعراقي بوجه الخصوص”.
وعن أحداث الرواية يقول الأزرقي إنها” تدور في ميسان وبالتحديد في إحدى قرى الميمونة (قضاء تابع لمحافظة ميسان) أيام الحصار الاقتصادي الذي فرضته أميركا”.
ويتابع للجزيرة نت أن شخصيات الرواية تنقسم إلى قسمين “الأول هم الشيوخ ويمثلون السلطة وما يحصل بينهم من مؤامرات وصراعات، والثاني الناس الأخيار وهم يحاولون التخلّص من هذه الصراعات” .
ويفكك الأزرقي الحكاية وشخوصها فيقول “بطل اسمه عباس وهو ابن رئيس قبيلة عراقية وصلته أخبار الحرب في سوريا وأخذته شهامة العرب في الدفاع عن الوطن، ولمّا كان حينها ابنه عباس فتى أو صغير السنّ، قرّر الأب الذهاب إلى سوريا”.
وقبل ذهابه للحرب عام 1973 أوصى أخاه أن ينوب عنه في رئاسة القبيلة إلى حين عودته، لكنه استشهد هناك ليواصل أخوه رئاسة القبيلة إلى حين يكبر ابنه عباس ويسلمه الأمانة”، ويمضي بقوله إن” الأخ لم يلتزم بالوصية وسلمها لابنه منصور بدلا من ابن الشهيد عباس ليبدأ الصراع على السلطة”، وهو صراع يرمز لصراع أكبر.
وعن وجود الذئب في العنوان يقول الأزرقي “تروي الأحداث أن ذئبا أسود كان يهاجم القبيلة كل ليلة فيأخذ منها ما يريد إلى التلال الوعرة المتاخمة لتلك القبيلة إلا أنه لا يهاجم الأطفال”، ويضيف الروائي أن “الرمزية واضحة، وهو ما حاولت الاشتغال عليه كي لا تكون مباشرة في تدوينها”.
مسارات التدوين
تتحدّث الرواية عن فترة تسعينيات القرن الـ20 الماضي، ويقول الناقد العراقي يوسف عبود جويعد إن الروائي “وضع متلقّيه في خضم أحداث ملتهبة ساخنة، إذ سرعان ما ننتقل إلى القرية وهي متاخمة للأهوار، مما يسمح للحيوانات المفترسة بالدخول إلى القرية لتصطاد فرائسها”.
ويعتقد أن الروائي أجاد بإدارة دفّة الأحداث عبر مسارين؛ “الأول، الخلاف الذي حصل على من يكون الشيخ”، والمسار الثاني “هو الوحش المخيف المرعب الذي ينقض على القرية ليلا فيفترس الشاة والنعاج والعجول، ويهدم البيوت ويثير الرعب ليكون الشغل الشاغل للجميع”.
ولهذا يرى أن حركة بناء النص “تتطلب احتواء واحتضان الأحداث وإدارتها بشكل تصاعدي متواتر”، كما يرى أن الروائي “حافظ على العناصر والأدوات التي تستخدم في فن صناعة الرواية لمثل هذه المادة التي تتطلّب قيادة متقنة”.
ولهذا فإن عملية الإمساك بالنسيج السردي -كما يرى جويعد- تحتاج إلى “السيطرة على الأحداث وعدم السهو عن أية شارد أو واردة فيها”.
تشويق وخوف
الأزرقي صدر له “تواقيع على نغم الوجع”، وهي قصص قصيرة جدا عام 2014، و”كتابات على بوابة الشمس” عام 2018، وكذلك “الميمونة والياسمين” وهي قصص قصيرة في العام ذاته، وصدرت له أيضا رواية “ستة أيام بين الجثث” عام 2020، ولديه رواية مخطوطة تحمل عنوان “المغارة الصاخبة”.
ويقول الشاعر والكاتب حسين السياب عن الرواية إنها “رواية تمازج بين الواقعية الرمزية وكذلك الغرائبية الواقعية”، وأضاف أن الروائي “احتاج إلى تفعيل المخيلة وجعل الرمز هو الأكثر ولوجا بين طيّات الواقع”.
ولفت إلى أن طريقة سرد الرواية تحمل أسلوبا “لا يجيده إلّا الحكواتي البارع في حرفته، وهو يغوص في الظلام والحزن الذي طال الجميع”.
وعن طريقة التدوين قال السياب إن “من يقرأ الرواية سيصاب بالرعب الذي رسمه الروائي وهو ما يعني أنها حكاية مليئة بالتشويق والخوف والفرح في آن واحد”.
مخالب وظلام
لم يزل الواقع الريفي العراقي زاخرا بالكثير من الحكايات التي تكون محرّكات مهمة للسردية العراقية.
وتأتي هذه الرواية واحدة من الروايات الواقعية، وفق ما تقوله الأديبة والناقدة التونسية محبوبة خمّاسي؛ إذ تتكون من 13 فصلا، وفيها الكثير من التشويق، حيث يجد المتلقّي نفسه مجبرا على تناول الرواية والسفر بين كتاباتها لمعرفة أحداثها وربطها بالعنوان “أنياب تلتهم الظلام”.
وتعتقد الناقدة خمّاسي أن مخالب الذئب هي الأنياب التي تلتهم الظلام، وتصف الروائي الأزرقي بأنه “قدّم دراما اجتماعية رائعة في مزيج غير مسبوق ليحدّثنا عن جانب اجتماعي سياسي وآخر أخلاقي في روايته هذه التي اختلف جنس أبطالها بين البشر والحيوانات”.
وتتساءل خماسي “أليست مفارقة هي الأخرى أن نتعظ بسلوك الحيوان لنعدّل من سلوكنا أو لنقيّم أنفسنا؟”، وتضيف “الرواية نقلت لنا أحداثا بين الحرب والسّلم بتشويق الكاتب المتمرّس والوطني الذي اكتوى بنار الحرب التي يقوم بها السياسيون والخاسر الأول فيها دوما هو الإنسان”.
وكانت الأهوار تغطى بمساحة تقارب 15 ألف كيلومتر مربع حول الجزء الجنوبي من نهري دجلة والفرات، لكنها بدأت الانحسار منذ نشوب الحرب العراقية الإيرانية وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حينما جففها النظام لملاحقة المعارضين، وأصبح كثير من سكانها لاجئين ومهاجرين خارجها.
علي لفته سعيد – الجزيرة