علقت صحف عربية على تطورات الغزو الروسي لأوكرانيا من زاوية العقوبات الاقتصادية على موسكو بعد فرض الدول الغربية حزمة عقوبات اقتصادية، شملت استبعادَ عدد من البنوك الروسية من نظام “سويفت” المصرفي الدولي الذي يربط آلاف المؤسسات المصرفية حول العالم.
ووصف عدد من الكتّاب استبعاد بنوك روسية من نظام “سويفت” بأنه مثل “النووي المالي”، لكن رأى بعضهم أن خيار “سويفت” لا يُبقي للدول الغربية أوراقا للضغط على روسيا في المستقبل.
ويؤكد فريق ثالث أن العقوبات الاقتصادية تقوي سلطة النظام القائم وتزيد الشعور القومي وتدفع موسكو لتعزيز تحالفها مع الصين.
“السلاح النووي المالي”
يتحدث عبد الله الردادي، في “الشرق الأوسط” اللندنية، عن مدى اعتماد روسيا على نظام “سويفت” بالأرقام، ويقول: “تحتل روسيا المرتبة السادسة عالميا في رسائل الدفعات في سويفت، ويتراوح متوسط الدفعات السنوية لها بين 600 و800 مليار دولار (وهو رقم مرتفع بالنظر إلى أن الناتج الإجمالي لروسيا بلغ 1.5 تريليون دولار عام 2020)، وتستخدم روسيا هذا النظام عند تصديرها لمنتجات الطاقة التي تشكل 40 في المائة من ميزانيتها الحكومية”.
ويضيف: “بوجود هذه العقوبات، سوف يستعصي على البنك المركزي الروسي استخدام احتياطياته الأجنبية التي يزيد حجمها على 630 مليار دولار، وسيفقد قدرته على تسييل أصوله، وتعويض أي عقوبات مستقبلية، مما يعني زيادة احتمالية هبوط قيمة الروبل الروسي وزيادة التضخم”.
ويصف الكاتب هذا الإجراء بأنه “تصعيد غير مسبوق ضد دولة ضخمة مثل روسيا، حتى شُبه باستخدام السلاح النووي من الناحية المالية”.
ويتطرق الردادي إلى استحداث كل من روسيا والصين لنظامين شبيهين بـ “سويفت” لكنهما لا يزالان محدودين، وإلى بدء دول “بريكس” (البرازيل ورسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا) استخدامَ نظام بديل مشترك، مستدركا بأن “هذا النظام يحتاج إلى سنوات ليكون فعالا كما هو سويفت، ويبدو أن هذه السنوات قد تقل كثيرا في حال أقدمت الدول الغربية على استبعاد روسيا من نظام سويفت”.
ويؤكد: “العزل التام لروسيا عن نظام سويفت لن يُبقي للدول الغربية أوراقا تمكنها من الضغط على روسيا في المستقبل. وهو قد يرمي بروسيا في أحضان الصين ويزيد تحالفها معها، لا سيما مع تعاطف الصين سياسيا مع اجتياح روسيا لأوكرانيا، هذا التعاطف قد يزيد نظام دول (بريكس) قوة، وهو ما قد يترتب عليه تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في تسوية المبادلات التجارية (في حال نجاح النظام الجديد)”.
ويضيف الكاتب: “لذلك فإن على تحالف من الدول الغربية البحث عن آلية تمكنه من معاقبة روسيا دون الإضرار بمصالحه، وهو ما يبدو صعبا للغاية بالنظر إلى أن أهم مصدر للميزانية الروسية هو أكثر ما يحتاج إليه الغرب”.
وتحت عنوان “سويفت.. السلاح النووي المالي”، يقول محمد سلامة في “الدستور” الأردنية: “سويفت سيطال باشعاعاته النووية دول أوروبا أكثر من غيرها إلى جانب دول عربية لها علاقات اقتصادية مع أوكرانيا وروسيا معا، وكما هو معلوم فإن روسيا تزود أوروبا بـ 40 بالمائة من الغاز ولا يمكن تعويضه من أي دولة في العالم بعكس النفط الذي لا تخشاه أوروبا كثيرا”.
ويرى أن “اتجاه روسيا لتفعيل منظومة عمل مجموعة البريكس ستقابله الصين بترحاب قوي كون اليوان سيكون العملة الدولية للتعامل في نصف اقتصاديات العالم، وهذا بمرور الزمن سيؤدي حتما إلى صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية وربما تحل مكان واشنطن، وهذا يشكل بدايات النهاية للهيمنة الغربية على اقتصاد العالم”.
ويقول سلامة في ختام مقاله: “النووي المالي هو آخر سلاح بيد الغرب ضد روسيا… والمحصلة أن الأزمة الاوكرانية أوصلت العالم إلى بدايات السقوط الغربي أمام عودة الدب الروسي لمصلحة المارد الاقتصادي الصيني الصاعد”.
“العقوبات لا تغير السياسات”
وتصف “القدس العربي” اللندنية في افتتاحيتها اللجوء إلى إخراج روسيا من نظام “سويفت” بأنه “سيكون ضربة كبرى للاقتصاد الروسي”.
بيد أن ليليان معروف، في “رأي اليوم” الإلكترونية اللندنية، ترى أن “ما يخفف من وطأة العقوبات الغربية على روسيا ما تملكه روسيا من مخزون كبير من الذهب والعملة يسمح لها بالبقاء دون خسائر تذكر”.
وتؤكد: “روسيا على مدى عقود من العقوبات لم تخضع ولم يهتز اقتصادها أبدا بل زاد من تطوره، كما أعلن الرئيس بوتين استعداده لحزمة العقوبات التي لم يستعد الغرب لعواقبها”.
ويقول محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في مقال بعنوان “العقوبات لا تغير السياسات” نشرته جريدة “المصري اليوم” : “غالبا ما تفشل العقوبات الاقتصادية أيضا لأنها تؤدى إلى تنامى الإحساس القومي، وقد يترتب عليها التفاف الشعب وراء قائده نتيجة الإحساس بالحصار، وكرد فعل على العقوبات التى ينظر إليها على أنها شكل من أشكال التدخل الأجنبي، وبالتالي فإن ازدياد شدة العقوبات قد يؤدى إلى تقوية قادة هذه البلدان بدلا من إضعافهم، ودعم إرادتهم لمقاومة الضغط الاقتصادي”.
ويضيف: “يؤدى فرض عقوبات إلى قيام الدولة المستهدفة بتعزيز علاقاتها مع خصوم الدولة المبادرة بالعقوبات، وهو ما تظهر إرهاصاته في التقارب المتزايد بين روسيا والصين”.
ويختم بالقول: “باختصار، فرض العقوبات لا يغير السياسات، وهذا ما تعرفه الولايات المتحدة والغرب، وما راهنت عليه روسيا. ولا عزاء لأوكرانيا”.
ميادين – بي بي سي