اعتادت العائلات المغربية في رمضان على إعداد أشهى المأكولات التقليدية في وجبة الإفطار والحلويات المتنوعة للسهرات مع الشاي الأخضر، لكن غلاء الأسعار هذه السنة سيجعل العائلات خاصة الفقيرة تتخلى عن الكثير من المواد وستكون وجباتها محدودة وغير متنوعة.
في إحدى الأسواق الشعبية وسط العاصمة المغربية الرباط تتواتر أعداد قليلة من الزبائن يسألون عن أسعار الخضر والفواكه وينصرفون أو يشترون بكميات أقل كثيرا مما هم معتادون على شرائه قبيل شهر رمضان.
واعتادت الأسرة المغربية على اتخاذ جملة من الترتيبات وتوفير المواد الغذائية التي يمكن تخزينها أو إعدادها مسبقا كالأرز والسكر والتمر والبقوليات والفواكه الجافة والتوابل.
وتشتري النساء الكاكاو والسمسم واللوز والجوز ليحضرن ما يلزم لاستقبال شهر الصيام، وتتنوع التقاليد والعادات التي يقدم عليها المغاربة خلال هذا الشهر.
ألذّ الأطعمة والحلويات تغيب عن مائدة الإفطار.
ويقول تجار ومواطنون إن هناك ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد الأساسية، خصوصا المواد المعلبة والمصنعة مثل البندورة المعلبة والمربى والعسل.
وأفادت المصالح الحكومية بأن “حجم المخزونات والكميات المرتقب توفيرها وتوزيعها من المواد الغذائية وباقي المواد الأساسية كافية لتلبية الطلب خلال شهر رمضان والأشهر المقبلة بالنسبة إلى جميع المواد والمنتجات الأساسية، ولاسيما تلك التي يكثر عليها الطلب”.
وبعد أن خفف المغرب في بداية شهر مارس من القيود الرامية إلى كبح انتشار وباء كورونا بعدما انخفضت أعداد الإصابات اليومية بشكل ملحوظ، وأعاد فتح الباب أمام عدد من الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية، جاء غلاء الأسعار ليكبّل الشراء من جديد.
وقال محمد لمرابط الذي يعمل سائق سيارة أجرة لا يملكها “بعد التخفيف من قيود كورونا قلنا أخيرا سنصلي التراويح وسنخرج للسمر والتجول ليلا بعد الفطور والصلاة ونعيش الأجواء الرمضانية التي تعودنا عليها في السابق، لكن ارتفاع الأسعار أصبح مقلقا”.
وأضاف “أظل أتجول قرب الأسواق في هذه الفترة لعلي أظفر بزبائن أرهقتهم أكياس التسوق الثقيلة.. فلا أجد”. وتابع “حتى الأواني المنزلية ارتفعت أسعارها ولن نجددها هذه السنة كما اعتدنا كل رمضان”.
سهرات بلا فواكه سهرات بلا فواكه
وعبّر العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب عن استيائهم من الزيادات التي سجلتها أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، في حين طالبت هيئات نقابية وجمعيات حماية المستهلك الحكومة بالتدخل لحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وأمام عربة تراصت عليها حبات الطماطم والبطاطا، قال البائع بوشتى “الكل يسأل عن ثمن الطماطم.. البعض يشتري كميات قليلة بسبب ثمنها غير المسبوق، والبعض الآخر يذهب دون أن يشتري”.
وقفز سعر الطماطم في السوق لأكثر من عشرة دراهم للكيلوغرام (نحو 1.3 دولار) بعد أن كانت تباع بنصف هذا السعر أو أدنى.
سعر الطماطم في الأسواق قفز إلى أكثر من عشرة دراهم للكيلوغرام بعد أن كانت تباع بنصف هذا
وكانت ربات البيوت يشترين منها كميات وفيرة عادة قبيل رمضان لعصرها وحفظها في المجمدات لاستخدامها في طبخ أشهر حساء يستهلكه المغاربة في رمضان ألا وهو “الحريرة”.
ويحرص المغاربة خلال هذا الشهر على أن تكون مائدة الإفطار متنوعة وتحتوي مختلف الأطباق التقليدية، إذ لا تخلو مائدة إفطار من الحريرة التي تعد طبقا رئيسيا، والـ”شباكية” أو “الزلابية”، وهي حلوى تصنع في البيوت وتكون مغمورة بالعسل، بالإضافة إلى “السفوف” أو “السلّو” التي هي عبارة عن خليط منسجم أهم عناصره اللوز والسمسم. ثم أشياء أخرى مرافقة.
وإلى جانب الطماطم سيدة المائدة الرمضانية، ارتفعت أسعار الدجاج ليبلغ سعر الكيلوغرام الواحد 18 درهما (1.93 دولار) بعد أن كان 16 درهما قبل أيام، وهو سعر مرتفع بالنسبة إلى شريحة واسعة من ذوي الدخل المحدود.
وقالت حفيظة (54 عاما) “أكثر ما أخشاه أن يزداد سعر المواد التي نحتاجها لمائدة الإفطار ارتفاعا في رمضان وليس العكس. فقد وعدت الحكومة قبل أكثر من أسبوع أن سعرها سينزل في السوق لكنه ظل عاليا، وهو ليس في المتناول”.
وفي مؤتمر صحافي في العاشر من مارس قال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس إن “ارتفاع سعر الطماطم سببه ارتفاع الطلب والتوجه المتنامي نحو التصدير”، مضيفا أن “تعدد الوسطاء” يساهم أيضا في ارتفاع الأسعار.
هذا ما نقدر على دفعه هذا ما نقدر على دفعه
وبعد الجائحة تفجرت الحرب الروسية – الأوكرانية، مما ساهم في غلاء أسعار عدد من السلع الأساسية منها زيت الطعام الذي ارتفع ثمنه إلى مستويات قياسية والمحروقات التي يستورد المغرب كل احتياجاته منها تقريبا.
وقالت نورا بيبانة وهي ربة منزل عمرها 61 عاما “لم أُحضّر كما في السابق حلويات كثيرة لأزين مائدة رمضان، فهي مرتبطة في ذهني بالرخاء والفرحة. حضّرت طبقا واحدا منها”. وأضافت “ما تركته جائحة كورونا من فقد لمناصب الشغل وإفقار لعدد من أبناء هذا الشعب أذكته الحرب بين الروس والأوكرانيين”.
ومن المظاهر التي تحولت إلى ما يشبه الثوابت في حياة المغاربة قبيل حلول رمضان شراء الملابس الجديدة، فلا تكتمل الفرحة بقدوم رمضان إلا بارتداء الزي التقليدي، لكن يبدو أن الأمر هذه السنة سيكون مختلفا، إذ أن المغاربة مشغولون بتوفير مائدة الإفطار.
أغلب العائلات المغربية ستضطر للاستغناء عن شراء بعض المواد الغذائية غير الأساسية لتتمكن من توفير الضروريات.
وتوقع بنك المغرب الثلاثاء الماضي عقب اجتماع مجلس إدارته ربع السنوي أن يقفز التضخم إلى 4.7 في المئة هذا العام من 1.4 في المئة في 2021.
وقال بوعزة خراطي رئيس الاتحاد المغربي لحقوق المستهلك “هذه السنة تداخلت أسباب خارجية وأخرى داخلية للحد من فرحة رمضان بسبب ارتفاع الأسعار”.
وأضاف “عرف المغرب على غرار جميع دول العالم وخاصة المتواجدة بالبحر الأبيض المتوسط، وهي الأكثر استهلاكا للقمح، ارتفاعا للأسعار. كما أن أسعار المحروقات بالدول غير المنتجة أصبحت كذلك تعاني من التهاب سعر برميل النفط، ولأول مرة بتاريخ المغرب تجاوز سعر الغازوال ثمن البنزين”.
ومضى قائلا “الغازوال هو محرك الاقتصاد وبالتالي كل المواد والخدمات عرفت منحى الارتفاع في أسعارها”.
لكن المواطنين يقولون إن هذه الزيادات في أسعار الخضر والفواكه ليست فقط بسبب المحروقات، بل تشهد هذه الفترة قبل رمضان زيادات ملموسة في الأسعار.
وستضطر أغلب العائلات المغربية للاستغناء عن شراء بعض المواد الغذائية غير الأساسية لتتمكن من توفير الضروريات.
ميادين – العرب اللندنية