تسعى هذه المداخلة إلى تسليط الضوء اولا على ابرز المخاطر الأمنية لموقع موريتانيا الجيوستراتيجي وفي مقدمتها مخاطر الهجرة على الأمن الوطني؛ وثانيا على اعلان الهجرة الاخيرة بين موريتانيا والاتحاد الاوروبي من خلال قراءة اولية في مضمونه والاثار القانونية له .
اولا : المخاطر الأمنية للموقع الجيوستراتيجي لموريتانيا وفي مقدمتها خطر الجريمة والهجرة غير الشرعية على الأمن الوطني .
تجمع العديد من الدراسات حول منطقة الساحل والصحراء الافريقية بما فيها موريتانيا على أن هذه المنطقة تحتوي على الكثير من المخاطر والتحديات الأمنية بمفهومها الشامل والمعاصر، الذي يشمل الظواهر الإجرامية المستحدثة والجرائم المنظمة والمخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية علاوة على الظواهر الإجرامية المرتبطة بالجرائم السيبرانية والعمليات الإرهابية بشقيها التقليدية والمتطورة.
ونظرا لهذا الوضع فقد باتت هذه الكتلة الجغرافية في الصحراء والساحل تمثل أكبر المناطق إزعاجاً للدول الأفريقية عموما وأكثرها هشاشة في المنظومة الأمنية، وأوسعها رخاوة في جلب التنظيمات الإرهابية المتطرفة؛ ما جعلها تحتل قمة اهتمامات الدوائر الأمنية ومؤسسات صنع القرار السياسي على المستويين الإقليمي والدولي معاً().
بل إن موضوع الأمن في منطقة الساحل والصحراء قد بلغ من التعقيد ما جعل الكثيرين ينظرون إليها في غاية من القتامة والتشاؤم ويصفونها بالمعضلة الأمنية العويصة، التي لم تعد تهدد أمن إفريقيا وحدها ، وإنما أصبحت أوضاعها الأمنية الممتدة وغير المباشرة تشكل مصدر تهديد لأمن دول الجوار العربي وللدول الأوروبية على السواء().
ولا شك أن للموقع الجيوستراتيجي لموريتانيا المرتبط بهذه المنطقة الكثير من الميزات، غير أن التاريخ أثبت كذلك أن أهمية هذا الموقع هي التي جعلتها في مطلع القرن الماضي هدفا مباشرا للاستعمار الفرنسي، حيث كان في مقدمة الأسباب التي ساقها دعاة الاحتلال() لحسم قرارهم باحتلالها هو الهدف المتمثل في ضرورة الوصل بين مستعمرات فرنسا في شمال إفريقيا وغربها، ومنذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا ما زال الموقع الجيوستراتيجي لموريتانيا يفرض عليها الكثير من التحديات والمخاطر الأمنية والبيئية، ناهيك عن التحديات التي يفرضها عليها وجودها على تخوم هذه المنطقة المضطربة سياسيا واجتماعيا، وسنكتفي بذكر أهم هذه التحديات والمخاطر والتي من أبرزها المخاطر المرتبطةبالحدود.
غالبا ما يكون لموقع الجوار الجغرافي آثارا بالغة على العلاقات بين الدول المتجاورة سواء في وقت السلم أو في أوقات الحرب، ويمكن القول بصورة عامة أن احتمال تزايد ظهور المشاكل يزداد كلما زاد عدد الدول المتجاورة، ومن هنا فإن موريتانيا التي تقع على مساحة كلية تزيد على 700 030 1كم2 موزعة بين مساحة يابسة تبلغ834000 كلم2 تقريبا ومساحة مائية في حدود 234 الف كلم2، وعلى حدود برية يصل إجماليها إلى 5074 كلم، وتتقاسم محيطها الحدودي أربع دول جوار هي: الجزائر بمعدل 463 كلم وإقليم الصحراء الغربية بمعدل 1561 كلم والسنغال بمعدل 813 كلم ومالي بمعدل 2237 كلم ، فضلا عن شريط ساحلي يصل طوله إلى حدود 754 كلم .
تبدو موريتانيا إذن وعلى غرار مثيلاتها من الدول ذات الحدود الدولية المتعددة معرضة لمخاطر المشكلات الحدودية التي يظهر اليوم بوضح الكثير منها بحكم الاعتبارات الجيوستراتجية، ولهذا فلابد من الاعتراف بأن تأثيرات الحدود الطويلة والمتشعبة تجعل بلادنا عرضة للكثير من الانعكاسات السلبية لتعدد الحدود والتي ليس أقلها مشكلات حفظ وضبط الأمن على تخوم مضطربة في كثيرا من الأحوال.
ومما لا شك فيه أن الحدود الشرقية لموريتانيا مع جارتها الجمهورية المالية تبدو الأكثر خطورة على الاطلاق، حيث أدت حالة التسيب وغياب الدولة في الشمال المالي، في ظل الوضع الاستثنائي الذي يعيشه إقليم أزواد المضطرب، والمحاذي بحدود طويلة للمجال الجغرافي الموريتاني من الشرق- إلى وجود الكثير من المشاكل الأمنية لموريتانيا.
والتي كان من أبرزها وأخطرها على الأمن الوطني وجود العديد من التنظيمات الإرهابية، التي أعلنت مبكرا عن عدائها لموريتانيا من خلال القيام بعدة هجمات إرهابية ذهب ضحيتها العشرات من الجنود الموريتانيين.
ناهيك عن المشكلات الأمنية التي خلقتها الجريمة المنظمة عبر عصابات التهريب والهجرة السرية المتواجدة بقوة داخل هذا الإقليم، مما جعل البلاد خلال السنوات الماضية عرضة للكثير من الجرائم المنظمة وانتشار عصابات الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، حتى أصبحت موريتانيا معبرا من المعابر الدولية لتهريب هذه الآفة الخطيرة، رغم ما يصاحبها عادة من مخاطر عديدة ليس أقلها توطين عصابات الجريمة المنظمة ذات القدرة على اختراق مؤسسات التأثير في البلد، وسنكتفي بعرض موجز عن أهم هذه التحديات الأمنية العابرة للحدود الموريتانية والتي من اخطرها تحدي الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية ونظرا لخطر هذين التحدين الأخيرين وعلاقتهما المباشرة بموضوع هذه المداخلة المتعلق باعلان الهجرة بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي سنكتفي بالحديث عنهما باختصار قبل أن نصل إلى الموضوع .
مخاطر الجريمة المنظمة:
لقد أدى الشعور العالمي بخطورة الجريمة المنظمة إلى قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة، وذلك بموجب القرار 55/25 الصادر بتاريخ 15 نوفمبر 2000، ليبدأ نفاذها وفقا للمادتين 29 و38 منها في سبتمبر 2003، وقد وصل عدد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية في يوليو 2018 إلى 190 دولة.
كما الحقت بهذه الاتفاقية ثلاثة بروتوكولات تستهدف مجالات ومظاهر محددة للجريمة المنظمة حيث تعلق الأول بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال؛ والثاني بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، أما الثالث فقد تعلق بمكافحة صنع الأسلحة النارية وأجزائها ومكوناتها والذخيرة والاتجار بها بصورة غير مشروعة. ولابد ان تكون البلدان أطرافا في الاتفاقية نفسها قبل أن تصبح أطرافا في أي من هذه البروتوكولات () .
هذا وقد عرفت هذه الاتفاقية في مادتها الثانية فقرة أ الجريمة المنظمة بالقول ” يقصد بتعبير جماعة إجرامية منظمة، جماعة ذات تنظيم هيكلي مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو مادية أخرى…».
ونشير هنا إلى أنه ورغم أن موريتانيا قد صادقت على هذه الاتفاقية منذ شهر يوليو 2005، فإن العديد من التقارير ما زالت تفيد بأنها تحتل مرتبة متقدمة على المؤشر العالمي للجريمة المنظمة، حيث بلغ ترتيبها على النسخة الأولى من هذا المؤشر الرتبة 125عالميا من أصل 193 دولة.
وترتب الدول في هذا التقرير حسب شدة تضررها من الجريمة المنظمة، حيث يعتمد المؤشر في تحديد رتبة كل دولة على قياسها على سلم مكون من 10 درجات، وكلما اقترب البلد من الدرجة 10، ارتفعت فيه مستويات الجريمة المنظمة. ويغطي المؤشر مجموعة من الجرائم تشمل الاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات والهيروين وجرائم متعلقة بالطاقة غير المتجددة وكذلك الثروات الحيوانية والنباتية().
وحققت موريتانيا على سلم المؤشر مكانة مشرفة بحصولها على درجة 4،38 ما بوأها المرتبة الثالثة عربيا في مجال مكافحة الجريمة المنظمة بعد تونس وسلطنة عمان.
وكشف مؤشر الجريمة المنظمة العالمي، الصادر عن” المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية”، عن أن جمهورية الكونغو الديمقراطية هي الدولة الأكثر تضررا من الجريمة المنظمة في العالم، وتليها نيجيريا وجمهورية – إفريقيا الوسطى وكينيا وجنوب إفريقيا وليبيا وموزمبيق والسودان والكاميرون في المراكز العشرة الأولى في إفريقيا على التوالي.
مخاطر الهجرة السرية أو غير الشرعية :
تعتبر موريتانيا بحكم موقعها المفتوح على منطقتي غرب ووسط إفريقيا- والمطل بحريا على الحدود الأوروبية عبر بوابة جزر الكناري الإسبانية التي لا يبعد عنها إلا بضعة عشرات الأميال فقط – بلدا مستقطبا بامتياز للعمالة المهاجرة سواء منها تلك الراغبة في العبور إلى نعيم أوروبا أو الجنة الموعودة، كما كانت تصورها بعض جماعات الاتجار بالبشر، أو تلك التي ينتهي بها الطموح إلى الاستقرار كليا في هذا البلد ، الذي اتسم ومنذ قيامه بخاصية غياب ضبط المهاجرين، مما سهل على الكثيرين منهم الحصول على أوراقه الثبوتية والتمتع بما يسميه بعض الدارسين بحقوق المواطنة السلبية، وخاصة بعد أن أقدمت الدول الأوروبية على تضييق الخناق على المهاجرين من خلال اعتماد سياسات صارمة لمحاربة الهجرة السرية، مما اضطر معظم المهاجرين عبر موريتانيا إلى العدول عن خوض مغامرة الهجرة إلى أوروبا والاكتفاء بالاستقرار في بلد العبور بعد أن وجد العمل وحلا المقام وربما إلى الأبد .
وفي تحديدها لمسارات الهجرة السرية عبر موريتانيا تؤكد العديد من الدراسات أن الطريق الغربي (طريق الصحراء) انطلاقا من موريتانيا بات مقصدا للكثير من الباحثين عن اللجوء والهجرة غير النظامية. وتقدر منظمة الهجرة العالمية أعداد المهاجرين عبر المحيط الأطلسي وتحديدا من سواحل موريتانيا إلى جزر الكناري بأكثر من 5 آلاف خلال عام 2020 ، حيث وصلوا على متن 200 قارب، مشيرة إلى أن العدد تضاعف 10 مرات مقارنة بعام 2019.
ويؤكد فيليب فرود الأستاذ المساعد بجامعة أوتاوا الكندية والمختص في تتبع مسارات الهجرة أن تفضيل المزيد المهاجرين لمسار الهجرة عبر موريتانيا جاء بسبب زيادة تشديد الاجراءات في النيجر وزيادة الشعور لديهم بمخاطر الذهاب إلى ليبيا بسبب دور وسائل الإعلام وجهود المنظمة الدولية للهجرة في التحسيس بذلك() .
المحور الثاني : قراءة في اعلان الهجرة الاخير بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي من حيث المضمون والآثار القانونية :
ونركز في هذه القراءة على ابراز بعض الملاحظات المتعلقة بمضمونه اولا وبقيمته القانونية ثانيا :
ملاحظات عامة حول المضمون :
الملاحظة الأولى: حول اسلوب صياغة نص هذا الإعلان؛ يلاحظ طغيان النزعة التبريرية لهذا الاعلان:
من يقرأ هذا النص يدرك ان هاجس واضعيه غلب عليهم الطابع التبريري ..ويظهر ذلك في العبارات الاستهلالية للفقرات مثل انشغالا منهما اعتبارا منهما ادراكا منهما وعيا منهما ومثل يلاحظان يعربان يعترفان يذكران يؤكدان يعتبران فكل هذه العبارات الكثيرة في النص تعكس رغبة واضعها في تبرير موقفهم من التوصل إلى هذا الاعلان .
والحقيقة ان الهجمة الاعلامية الكبيرة التي سبقت وصاحبت هذه الوثيقة كانت سببا في هذه الصياغة التبريرية القلقة للنص .
الملاحة الثانية : لا تعكس عبارات النص قرارات وخطط تقريرية ناجزة حول موضوع الهجرة ؛ بقدرما تعبر عن نوايا ورغبات ؛ فبعد كل ما جاء في الفقرات الاستهلالية نجد عبارة ينويان إقامة شراكة ستعزز الحوار حول قضايا وتحديات الهجرة ….الخ.
ويبدو هذا الحوار كهدف في حد ذاته إذ أن الغاية منه هي تبادل المعلومات ووجهات النظر حول التشريعات والسياسات واستلهام افضل الممارسات والفرص والتعاون في مواجهة ظاهرة الهجرة وكذلك في صياغة التوصيات السياسية والتنفيذية والاجرائية في بعض المجالات ذات الصلة بهذه الظاهرة .
الملاحظة الثانية : حول خطة العمل التي تضمنها الاعلان :
١- تحدث الاعلان عن خطة عمل لمواجهة ظاهرة الهجرة ؛ حيث تقوم هذه الخطة على :
١- العديد من المبادرات الهادفة الى :
-تعزيز قدرات موريتانيا في مواجهة تدفقات المهاجرين .
٢- إعطاء الاولوية في ذلك لمضمون الاستراتيجة الوطنية لإدارة الهجرة .
٣- الاخذ بعين الاعتبارات الاشكالات العميقة المرتبطة بالهجرة غير الشرعية من قبيل الاشكالات التنموية كالضغط على الموارد ومنافسة المواطن في المتاح من فرص العمل ؛ ناهيك عن قضايا حقوق الانسان المهاجر نفسه في الكرامة والحماية وضمان مستلزمات البقاء طالما انه بات موضوعا حقوقيا قائما .
٤- التصدي للأسباب العميقة للهجرة غير الشرعية وخصوصا بالنسبة لهجرة الشباب الموريتاني من خلال وضع سياسات تشغيل وطنية تقوم على التعليم والتدريب المهني وعلى الاستثمار في مجال دعم المشاريع الشبابية ؛ وكذلك على تحسين المهارات والكفاءات للولوج إلى سوق العمل وتسهيل التمويلات والقروض الصغيرة ودعم الشركات الناشئة وخصوصا تلك التي تنشؤ بمبادرات شبابية .
الملاحظة الثالثة : حول مفهوم المهاجر في هذا الاعلان يتحدث الاعلان عن ثلاث انواع من المهاجرين هي :
المهاجر غير الشرعي.
المهاجر اللاجئي والمهاجر الوطني
١- بخصوص النوع الاول اي المهاجر غير الشرعي:
يتحدث الاعلان عن جرائم وممارسات مجرمة تصاحب هذا النوع من المهاجرين مثل : الهجرة غير الشرعية ؛ تهريب المهاجرين ؛ الاتجار بالبشر واخيرا عودة المهاجر غير الشرعي إلى بلده ودعم اعادة دمجه فيه .
وفي هذا الخصوص يسعى الاعلان إلى تعزيز قدرات موريتانيا في مجال الوقاية من هذا النوع من المهاجرين بما في ذلك:
-دعمها في مجال اجراءات تسيير الحدود الواسعة والمتشعبة وهنا يشير الاعلان الى إمكانية التعاون بين موريتانيا والوكالة الاوروبية لحرس الحدود والسواحل فرونتيكس ولكن طبقا لحاجيات موريتانيا وخاصة في مجالات التجهيز والتدريب مع التاكيد على مراعات مقتضيات احترام السيادة الموريتانية .
وبالمناسبة يشير الاعلان إلى ان تعاون موريتانيا في هذا المجال مع الاتحاد الأوروبي يمكن أن يأخذ عدة صيغ وأشكال فقد يكون بينها والاتحاد ككل وقد يكون ثنائيا بينها وإحدى الدول الأوروبية كما حصل ويحصل بالفعل منذ سنوات مع اسبانيا ؛ كما أنه قد يأخذ شكل اتفاق مع إحدى الوكالات الاوروبية بما فيها افرونتيكس وايروبول ووكالة الاتحاد الأوروبي للجوء .
مكافحة شبكات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر من خلال تنسيق الجهود الامنية والاستخباراتية وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية والقضائية .
اما بخصوص النوع الثاني اي المهاجر اللاجئ:
فهذا النوع من المهاجرين له ظروف خاصة لان وجوده في البلد وجود قسري ربما خارج عن ارادته حتى؛ فقد دفعته اليه ظروف استثنائة يعيشها بلده الاصلي مثل المهاجرين الماليين في الشرق الموريتاني مخيم امبرة مثلا :
يفرض هذا النوع التعامل مع المهاجر في ضوء الاتفاقيات الدولية وخاصة في مجال حقهم في الحماية ويطرح اشكالات كثير على الدولة المضيفة من قبيل الضبط المدني ومنحهم صفة اللاجئ بما يترتب عليها من حقوق انسانية في ضوء التزام بلادنا للمنتدى الدولي للاجئين لعام ٢٠٢٣ .
ناهيك عن اشكالات الضغط على الموارد وضمان الأمن في مناطق تواجد هؤلاء وتدبير العلاقة مع سكان المناطق التي تم اللجوء إليها.
اما النوع الثالث وهو المهاجر الوطني :
فهذا بدوره ينقسم إلى مهاجر غير شرعي ومهاجر شرعي :
حيث يطرح الأول اي المهاجر الوطني غير الشرعي مشكلة الحديث عن إعادته إلى البلد قسرا بما في ذلك البحث عن آلية لاعادة دمجه فيه وفي هذا الخصوص يذكر الاعلان بمعاهدات “ساموا” التي تربط بين الطرفين ؛ وهذه المعاهدات تعنى بالكثير من المجالات التي من بينهما قضايا الجريمة المنظمة وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر .
وجاء التذكير بهذه المعاهدات في سياق الحديث عن عودة اللاجئين الوطنيين غير الشرعيين من أوروبا إلى موريتانيا ولكن بعض مواقع الاعلام الوطني والمدونين ذهبوا إلى تعميم الفقرة باعتبارها تتضمن موافقة موريتانيا على أن تكون ملاذا لاعادة وتوطين المهاجرين الأفارقة من أوروبا إلى موريتانيا .
والحقيقة أن الاعلان لا يتضمن اي إشارة إلى ذلك .
اما المهاجر الوطني الشرعي او القانوني فقد سعى الاعلان إلى منحه مزايا كثيرة وخاصة بالنسبة للطلاب والباحثين ورجال الأعمال؛ كما تم الحديث عن تسهيلات في مجالات منح التأشيرات؛ واعفاء بعضها من الرسوم وقصر مدة الحصول عليها .
ودعم فرص تعزيز الحركة البينية في ضوء وضع أسواق العمل .
ودعم الجاليات الموريتانية النظامية في أوروبا بما في ذلك المساعدة في دمجهم في تلك البلدان وتسهيل تحويلاتهم المالية إلى موريتانيا دعما لجهود التنمية فيها .
ثانيا : في مجال تنفيذ هذا الاعلان
يؤكد الاعلان على أن الطرفان سيسعيان إلى تنفيذه بصورة متوازن وشاملة .
سيعملان على الاجتماع بانتظام لمتابعة تنفيذ مجالات التعاون الواردة في هذا الاعلان مع إمكانية اعادة النظر في الأولويات كلما كان ذلك ضروريا ومتناغما مع الاستراتيجيات التي لدى الطرفين في مجال الهجرة .
يؤكد الاعلان على أن الطرفان ينويان ادماج الشركاء الفاعلين والمختصين المتواجدين في موريتانيا وذلك عبر أطر وقنوات التشاور المعهودة .
يؤكد الطرفان على ان خطة العمل الواردة في هذا الاعلان قابلة للتطوير وانها مجرد مثال وسيتم تحيينها كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
اخيرا يؤكد الاعلان على التزام الطرفين بالعمل على تعبئة الموارد المالية والفنية وخاصة الاتحاد الأوروبي وانه اي هذا الأخير سيأخذ بعين الاعتبار توزيع المسؤوليات بين دوله الأعضاء.
ثالثا : ملاحظات اخيرة بشأن القيمة القانونية لهذا الاعلان
يعتبر نهج الإعلانات إحدى الصيغ الشائعة في مجال توثيق العلاقات الدولية؛ ويتم اللجوء إلى هذه الصيغة في الحالات التي يتعذر فيها الوصول إلى اتفاقيات ملزمة حول قضية ما من القضايا التي تتداخل فيها اهتمامات الدول؛ ولعل قضية الهجرة الدولية هي إحدى هذه القضايا في عالم اليوم .
وبالرجوع إلى المواثيق الصادرة عن عن منظمة الأمم المتحدة يلاحظ ان الإعلانات تأخذ من بينها حيزا كبيرا ؛ حيث إن عشرات أن لم اقل مئات الإعلانات قد صدرت حتى الآن عن هذه المنظمة ؛ ولعل من ابرز تلك الإعلانات واشهرها على الإطلاق هو الاعلان العالمي لحقوقالانسان لعام 1948 .
والذي لا زال رغم تأكيد الكثير من دساتير الدول عليه يطرح تساؤلات فقهية وقانونية حول مدى إلزاميته من عدمها .
وعموما يجزم كثير من فقهاء القانون على ان الإعلانات لا تصدر بصيغة الالتزام ولا تأخذ شكل اتفاقية دولية وانها تظل مجرد توصيات فقط وإعلانات نوايا حسنة ليس إلا.
وبناء على هذه الحقيقة يمكن القول ان الاعلان الصادر بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي لا يخرج ابدا عن هذا المفهوم .
واذا اخذنا بعين الاعتبار دلالة العبارات الواردة مثل عبارة ينويان في مضمون مختلف فقراته وخاصة منها الفقرة الاخيرة التي جاء فيها بالحرف ” لا تهدف أحكام هذا البيان المشترك وخطة العمل إلى خلق أية حقوق أو التزامات مرتبطة بالقانون الدولي أو الوطني ” ؛ يمكن نخلص باطمئنان إلى أنه مجرد اعلان حسن نوايا عن تعاون مطلوب بين بلادنا والاتحاد الأوروبي لمواجهة ظاهرة الهجرة التي لم يعد خافيا على اي احد خطرها المحدق ليس عليهم هناك فحسب رغم الفارق الكبير في القدرات بيننا وهم؛ وإنما علينا بدرجة اكبر تنذر بتهديد مصير بلدنا لا قدر الله؛ وهذا ما يجعل لهذا الاعلان اهمية قصوى لنا اولا قبل ان يكون مهم لهم في اتحادهم الموحد امام المخاطر ؛ بخلاف وضعنا الهش منطقتنا المكشوفة امام العالم والمهددة باستمرار بالكثير من المخاطر الامنية ؛ وخصوصا في ظل المقدرات الاقتصادية الكبيرة المتوقعة والتي يسيل لها لعاب الكثيرين .
محمدو محمد المختار – موريتانيا الآن