تستمر محاولات المهاجرين بالوصول إلى دول أوروبا الغريبة فيما تشهد دول غرب البلقان، لا سيما صربيا، أعداد متزايدة من عمليات العبور، قالت وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” إنها لم تشهد لها مثيل منذ العام 2016 حين توافد إلى أوروبا أعداد كبيرة من الفارين، خاصة من دول الشرق الأوسط وأفغانستان. فكيف تستجيب الدول الأوروبية لهذه الظاهرة؟ وما سبب زيادة محاولات العبور على طريق البلقان؟
متفوقا على البحر المتوسط، يحتل حاليا طريق غرب البلقان قائمة الطرق التي يسلكها المهاجرون من أجل الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك من اليونان عبر مقدونيا الشمالية وبلغاريا باتجاه صربيا التي تعتبر كمحطة عبور باتجاه كرواتيا والمجر العضوان في الاتحاد الأوروبي.
منذ بداية العام الجاري وحتى آب/أغسطس الماضي، سجلت وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” إجمالي 188 ألف محاولة عبور إلى الاتحاد الأوروبي، ليكون طريق غرب البلقان الأكثر نشاطا، مع تسجيل السلطات 86 ألف محاولة عبور في الفترة نفسها. وخلال الشهر الماضي وحده على سبيل المثال، سجلت السلطات الأوروبية حوالي 16 ألف محاولة عبور على طريق غرب البلقان، بزيادة تتجاوز نسبتها 140% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وبما يتماشى مع نهج السياسة الأوروبية في ملف الهجرة وخطتها الهادفة إلى “مكافحة الهجرة غير الشرعية”، تتخذ كرواتيا وهنغاريا العضوان في الاتحاد الأوروبي واللتان تشتركان مع صربيا بحدود برية واسعة، إجراءات مشددة لتعزيز الرقابة على الحدود، وتفرض التشيك وبلغاريا قيودا على حركة المهاجرين لمنعهم من إكمال طريقهم باتجاه دول أوروبا الغربية الأكثر ثراء لا سيما ألمانيا وفرنسا وغيرها.
إجراءات جديدة مشددة على الحدود
ينطلق أغلب المهاجرين الذين يسلكون هذه الطريق من تركيا إلى بلغاريا أو اليونان، التي ورغم أنها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إلا أن ظروف الاستقبال والمعيشة المتردية فيها تدفع الكثيرين إلى إكمال طريقهم شمالا، مرورا بمقدونيا الشمالية وصربيا أملا بالعبور إلى كرواتيا والمجر.
بلغاريا مثلا قررت فرض حالة طوارئ جزئية على حدودها البرية المشتركة مع تركيا واليونان، للحد من محاولات دخول المهاجرين إليها.
وباتجاه الشمال، أعلنت جمهورية التشيك يوم الثلاثاء 27 أيلول/سبتمبر أنها ستستأنف مؤقتا عمليات التفتيش على طول الحدود مع سلوفاكيا المجاورة حيث ستفرض “27 نقطة تفتيش حدودية لمدة 10 أيام على الأقل”، ابتداء من منتصف ليل الأربعاء. وقالت الشرطة التشيكية إن 9,500 مهاجر غير نظامي اعتقلوا بين بداية حزيران/يونيو والأسبوع الماضي، أغلبهم من السوريين، مقارنة بـ1,330 مهاجرا في عام 2021 بأكمله.
“فرونتكس” تدعم سلطات مقدونيا الشمالية وعمليات الصد مستمرة
ومن أجل الحد من محاولات عبور المهاجرين الذين يغادرون اليونان، قالت المفوضية الأوروبية في بيان صدر أول أمس الاثنين 26 أيلول/سبتمبر إنها أصدرت مقترحات ستعزز قدرة “فرونتكس” في دول الجوار للاتحاد الأوروبي، وبالتالي مساعدة “السلطات المقدونية على إدارة الهجرة غير النظامية، ومكافحة التهريب وزيادة الأمن في الاتحاد الأوروبي”، وذلك ضمن خطتها لتعزيز الرقابة على حدودها الخارجية.
لكن تعزيز الرقابة العسكرية على الحدود يثير أيضا مخاوف المنظمات الإنسانية من انتهاك حقوق طالبي اللجوء، إذ لطالما واجهت وكالة “فرونتكس” اتهامات بتعاملها العنيف مع المهاجرين، كما أن سلطات بعض الدول الأوروبية، لا سيما كرواتيا واليونان وبلغاريا، متهمة بممارسة عمليات صد منهجية بحق المهاجرين دون إعطائهم فرصة لتقديم طلب اللجوء، بما يخالف القوانين الدولية التي تفرض على هذه الدول باستقبال طالبي اللجوء وتأمين الحماية لهم بعد دراسة ملفاتهم.
Today, we published our report looking at violence within state borders against people-on-the-move in Serbia. Key points include:
— Border Violence Monitoring Network (@Border_Violence) September 26, 2022
🟣 Violent evictions in Belgrade and N Serbia
🟣 Inhumane treatment and detention at the Nikola Tesla Airport in Belgrade 1/2
في محاولة لفهم الأسباب التي جعلت من طريق البلقان نشطا من جديد، ردّت “فرونتكس” على مهاجرنيوز بطريقة مطابقة تماما لما نشرته في بياناتها الصحفية قائلة “يمكن أن يُعزى العدد الكبير من المعابر الحدودية غير القانونية إلى المحاولات المتكررة لعبور المهاجرين الموجودين بالفعل في غرب البلقان”.
كما أن عدد محاولات العبور التي تنشرها وكالة “فرونتكس” لا تمثل تماما عدد الأشخاص العابرين، إذ يحاول الفرد نفسه عبور الحدود مرات عدة ويتعرض للصد من حرس الحدود قبل أن يتمكن من الوصول إلى وجهته.
بحسب تقديرات منظمة “كليكاكتيف” غير الحكومية، يوجد حاليا في صربيا حوالي 10 آلاف مهاجر “عالقين” يحاولون عبور الحدود إلى هنغاريا وكرواتيا ويعيش حوالي نصفهم في تجمعات غير رسمية، “هناك 28 مخيما عشوائيا تقريبا في شمال صربيا، وقد يزداد هذا الرقم نظرا لوجود زيادة في عدد الوافدين إلى صربيا عبر مقدونيا الشمالية. لا يرغب المهاجرون في البقاء في صربيا على أي حال، لكنهم يتعرضون للعنف على يد حرس الحدود ويحاولون مرات كثيرة قبل أن يتمكنوا من دخول هنغاريا”، حسبما أوضح لمهاجرنيوز مدير المنظمة غير الحكومية الصربية فوك فوكوفيتش.
نظام تأشيرات الدخول إلى صربيا
بعض دول البلقان مثل صريبا، تفرض شروطا مخففة على دخول الأجانب إلى أراضيها، وخلال مؤتمر صحفي في البوسنة والهرسك الأسبوع الماضي، قالت كارين كيلر سوتر، عضو المجلس الاتحادي السويسري ورئيسة القطاع الفيدرالي للعدالة والشرطة إن “أسباب زيادة الهجرة متعددة. ومع ذلك، نعلم أن المواطنين الهنود والكوبيين والبورونديين لم يعودوا بحاجة إلى تأشيرة للسفر إلى صربيا مؤخرا. ويسافر الأشخاص إلى بلغراد ويصلون إلى النمسا عبر المجر مع المهربين قبل مواصلة رحلتهم”.
وهناك اتفاق مماثل مع الحكومة التونسية يتيح للتونسيين بدخول صربيا دون تأشيرة (فيزا)، كما أعلنت الحكومة الصربية عن رقع قيود تأشيرة الدخول السياحية للمصريين لمدة شهرين بين آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر الجاري ضمن اتفاق ثنائي بين البلدين.
توضح الباحثة صوفي دوفال في منظمة “CCFD-Terre Solidaire” أن “هناك الكثير من الضغط من الاتحاد الأوروبي على صربيا لتغيير سياسة التأشيرات الخاصة بها، تمارسه منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك ضمن إطار المساومة فيما يتعلق بانضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي”.
سياسات أكثر تقييدا على الطرق الأخرى
وكشفت بيانات منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن 3,635 مهاجراً تونسياً وصلوا إلى أوروبا عبر دول البلقان في الفترة الممتدة ما بين 26 يوليو/ تموز 2021 والثامن من تموز/يوليو 2022. وأوضح المنتدى سبب ذلك قائلا “الهجرة عبر صربيا أو غيرها من دول البلقان ليست بالجديدة، غير أنّها تصاعدت بسبب المخاطر الكبيرة التي تحيط برحلات الهجرة السرية عبر البحر، ومنها غرق المراكب أو اعتراضها، فضلاً عن ترحيل الواصلين”.
وفي رأي مماثل، تقول الباحثة دوفال “هناك تركيز أوروبي على طرق الهجرة في البحر الأبيض المتوسط، والتعاون المعزز في ليبيا هو ليس جديدا ولكنه لا يزال حاضرا بقوة، وهناك مفاوضات على اتفاقيات لنشر فرونتكس في المغرب والسنغال وموريتانيا، الدول التي تنطلق منها الرحلات باتجاه جزر الكناري الإسبانية”. وذلك يعني “غالبا عند فتح طريق هجرة جديد أو استئنافه، يكون ذلك بسبب وجود سياسات أكثر تقييدا على الطرق الأخرى”.
ومع انتهاء القيود المفروضة على التنقل بين الدول بسبب جائحة كورونا، من الطبيعي أن يستأنف المهاجرون حركتهم، حسبما تشير دوفال قائلة “سياق كوفيد لم يساعد على حركة الأشخاص. أما اليوم، هناك استئناف للحركة، فالطرق متعددة والمهاجرون يحاولون عبور الحدود أكثر من مرة قبل الوصول إلى وجهتهم”.
ميادين – مهاجر نيوز