الناقد المغربي سعيد يقطين اعتبر أن الكتاب دراسة مميزة جمعت بين المعلومات البحثية والجانب الاختباري الميداني واهتمت أيضا بالمتلقي.
“باسم الله الفتاح، ربي هو الفتاح مولانا خيرو دايم
خلق الشمس والقمر واعطانا كل النعايم
باسم الكريم هي مفتاح الربح جات في كتابو
خيار ما نقول في نظمي تبدأ باسم الله:
ننهي بالصلاة على طه قد الضيا وغيابو
عدد ما خلق ربي في أرضو وساكن سماه”
هكذا كان يستهل الراوي مولاي أحمد الفطن مواليد 1926، أحد رواد حلقة السير الشعبية بالمغرب، كما جاء مضمنا في كتاب جديد حول “أسرار الحكواتي: جماليات الحكي وذخائر السير الشعبية” ألفه أسامة الخضراوي الباحث الأكاديمي بالدراسات الثقافية جامعة محمد الخامس في الرباط.
محورا لكتابه. وفن الحلقة كما عرفه الكتاب شكل مسرحي يرتبط في تسميته بالحيز المكاني الذي يشغله كدائرة يتوسطها الحكواتي ويسمى أيضا الراوي أو القاص وفي المغرب يسمى ” الحلايقي”.
دراسة مميزة
صنف كتاب “أسرار الحكواتي: جماليات الحكي وذخائر السير الشعبية” دراسة تغوص في أغوار الذاكرة الجمعية، وإضافة مهمة إلى المجهودات التي قدمت في البحث واستكشاف ثراء الثقافة الشعبية المغربية.
كاتب _ أسرار الحكواتي جماليات الحكي وذخائر السير الشعبية الباحث أسامة الخضراوي
الخضراوي مؤلف “أسرار الحكواتي: جماليات الحكي وذخائر السير الشعبية” (الجزيرة)
يعتبر الناقد المغربي سعيد يقطين مؤلف “أسرار الحكواتي” بمثابة دراسة تنبش في الذاكرة الشعبية المغربية، ويقول رائد السرديات، للجزيرة نت، إن الكتاب دراسة متميزة أضافت إلى المعلومات التي قدمتها عن فضاء الحلقة، كثقافة شعبية مغربية وخاصة بجامع الفنا، الاتصال بالحكواتيين الذين يشتغلون في الحلقة.
ونوه يقطين بأهمية الجانب الاختباري الميداني كونه يقرب من عالم الشخصيات التي تملأ فضاء الحلقة، مشيرا إلى أن الكتاب اهتم أيضا بجانب المتلقي.
ويضيف: قليلا ما نجد في دراسة متصلة بالثقافة الشعبية المغربية المرسل والمتلقي والجانب الاختباري الميداني مجتمعة معا.
موروث شعبي أصيل
ويرى المؤلف أن فضاء الحلقة يلعب دورا مهما في تكوين تواصل مباشر بين الجمهور والحكواتي لإيجاد الأنس وصولا لمرحلة التأثير والتأثر.
وحسب الناقد يقطين -الذي قدم الكتاب وأشاد عليه- فالحلقة دائرة حية تتنفس وتصغي، وهي فضاء أصيل في الثقافة الشعبية المغربية.
يقول الخضراوي ابن مدينة بني ملال (قريب من مراكش) للجزيرة نت “منذ الصغر كان ولعي بحلقة الراوي الشعبي، واختيار جامع الفنا مجالا للدراسة كان مقصودا”.
ويضيف “حيث كان يوجد الراوي أوجد أنا، بحثت عن الحكواتيين وجالستهم لمعرفة أساسيات الحلقة، واستمعت مطولا لمن عايش الحلقة ولكبار السن والشيوخ، لقد أصبح نادرا إيجاد حكواتي شعبي يحفظ السير والملاحم والقصص”.
ويجزم الخضراوي بأنه لبقاء الحلقة لابد من الاهتمام بالحكواتي وتكوين جيل جديد من الحكواتيين في تقنيات التأثير وربط الأفكار وفن الإلقاء. ويتأسف لكون الساحات أصبحت تسويقية خبزية فيها المأكولات طاغية، وغاب عنها فن القول.
تراث متنوع يحتاج الصون
يلاحظ الخضراوي أن البحث في الأدب الشعبي أو الثقافة الشعبية منبوذ في المجتمع، ويستهزئ أحيانا بالباحثين فيه، ويستدرك “الذاكرة الشعبية تموت بموت روادها، كل شيخ بمكانة مكتبة حين يموت تموت، وأغلبية التراث الشعبي مجهول التأليف، إذا لم نحافظ عليه بالكتابة والتدوين والتوثيق فلا يمكن أن يستمر”.
وكثيرا ما دق الأكاديميون والمهتمون بمجال التراث ناقوس الخطر من أجل الحفاظ على تراث متنوع وغني. ويأتي مؤلف “أسرار الحكواتي” كتوثيق للذاكرة في الوسط الأكاديمي، يهدف صاحبه للإسهام في صون الذاكرة الجمعية إلى جانب كل الغيورين.
يتأسف يقطين على أن الاهتمام بالثقافة الشعبية بدأ متأخرا جدا، والجهود المبذولة جهود أفراد. وسجل الناقد غياب اهتمام كبير بالثقافة الشعبية رغم أهميتها وقيمتها على المستوى المغربي، معتبرا أن الثقافة الشعبية المغربية متنوعة جدا.
ويقول “بدون تظافر الجهود وإحداث مؤسسات وشعب لدراسة الثقافة الشعبية، مع الزمن سنفقد الكثير من ملامحها التي ما تزال مستمرة إلى الآن”. ودعا الناقد لضرورة العمل على رصد الجوانب المتبقية من تراث قديم، والعمل على تدوينه ودراسته والاستفادة منه في الأعمال الفنية والثقافية.
فن الحكي وجمالية التلقي
النقطة الأساسية التي كانت تستفز الخضراوي في البحث: كيف يؤثر الحكواتي في الجمهور، بطريقة فنية رائعة جذابة وهو يعيد سرد قصة معينة ويعيد قولبتها ويعطيها روحا محلية تلامس اهتمام الحضور؟
“لسان حاضر يمتص بطريقته نصوصا غائبة ينبع نصه الخاص من خيال مدهش يتحدى ويؤسس خطابا عجائبيا.. كيف يجمع الناس من حوله ويحتفظ بحضورهم معه، كيف يخرج يوميا متعة السرد القادرة على إغراء العابرين؟”.
وقد أسقط الخضراوي نظرية التلقي (ظهرت نهاية ستينيات القرن الماضي، علي يد الناقدين الألمانيين هانس روبرت وفولفغانغ إيزر، وتهدف لإعادة الاعتبار للمتلقي) على حلقة الرواة.
يقول المؤلف إن الجمهور عاشق للكلام وللفكر ولا يمكنك أن يثير الحكواتي انتباهه ويستمع له لولا وجود الدعابة والحكمة والمغزى، يبدأ بلازمة وبين الأحداث المشوقة، يجمع دراهمه، مصدر رزقه من المستمع. ويخلص الخضراوي لكون الحكواتي يحتفظ بجمهوره ويلهم مستمعه لأنه يلامس أفق انتظاره ويحترم الذات المتلقية، كانت له رسالة، وحلقته شكلت متنفسا لجمهور يجد ذاته فيها.
بنية البحث
يشمل “أسرار الحكواتي” تأطيرا عاما تطرق فيه الكاتب لمفهوم الثقافة الشعبية ودورها الوظيفي في صنع وعي الشعوب والمجال الجغرافي للدراسة، و5 فصول تتحدث بالتوالي عن الفولكلور والأدب الشعبي، الحلقة كنمط من الأنماط الشعبية وكل ما يتعلق بها من مفاهيم وأنواع وقاموس، ثم أفرد فصلا عن ميكانيزم الإبلاغ والتلقي ونظرية التلقي.
ويتحدث الفصل الرابع عن التلقي في الفرجة الشعبية والتجليات السيكولوجية للمتلقي بالفرجة الشعبية، والفصل الخامس عن دلالات الإبلاغ والتلقي في حلقات السير الشعبية، مع اختيار 3 سير شعبية: الأميرة ذات الهمة، عنترة بن شداد، سيف بن ذي يزن.
ويختم الخضراوي -في حديثه للجزيرة نت- بالقول إن البحث في التراث مسؤولية، والتراث بحر تلزمه عدة منهجية علمية والقدرة على الغوص في أمهات الكتب، والنبش في ذاكرة جمعية أغلبها شفهية.
المصدر : الجزيرة