منذ توصل السلطات الأذربيجانية إلى اتفاق وقف أعمال القتال مع ممثلي إقليم ناغورنو كاراباخ، الأربعاء الماضي، تتواصل في العاصمة الأرمينية يريفان تظاهرات مطالبة باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان، تخللتها اعتقالات واشتباكات بين المتظاهرين والشرطة.
يواصل المتظاهرون الذين يقدر عددهم ببضعة آلاف، ترداد هتافات مناهضة للحكومة الأرمينية، متهمين قيادة البلاد وباشينيان بالخيانة، وتسبب سياساتهم في الوضع الراهن في ناغورنو كاراباخ، بينما توعد باشينيان أمس الأول الخميس، بـ”التصرف بحزم في إطار القانون”.
وعلى الرغم من الرمزية التاريخية والثقافية التي يشكلها الإقليم للأرمن الذين يطلقون عليه تسمية “آرتساخ”، إلا أن ثمة مؤشرات تظهر أن باشينيان لا يزال قادراً على السيطرة على الأمور والبقاء في السلطة في المرحلة الراهنة على الأقل.
في موسكو، اعتبر المحلل السياسي المتخصص في شؤون جنوب القوقاز، أندري أريشيف، أن خسارة أرمينيا لناغورنو كاراباخ لن تترجم بالضرورة إلى سقوط باشينيان، جازماً أن روسيا لن تتدخل لفرض الأمر الواقع في أرمينيا.
وقال أريشيف في حديث لـ”العربي الجديد” إنه “من الصعب التنبؤ بمصير باشينيان، فمن المؤكد أن الاحتجاجات ستتواصل وستتسع رقعتها، ولكنها لن تؤدي بالضرورة إلى الإطاحة به، فهو تمكن خلال السنوات الأخيرة من إحداث انقسامات عميقه في بلاده، ومستعد للتضحية بالدولة الأرمينية من أجل البقاء في السلطة”.
غرانت ميكايليان: جهاز الشرطة لدى باشينيان لا يزال كافياً للحفاظ على السلطة
وحول رؤيته للموقف الروسي من التظاهرات في أرمينيا، رأى أريشيف أن “روسيا لن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة تبقى صديقة لها رغم سياسات باشينيان المعادية لها”. وأكد أن ملف ناغورنو كاراباخ سيبقى حاضراً على جدول أعمال السياسة الداخلية الأرمينية، مشيراً إلى أن الإقليم “لن يغيب عن المشهد بشكل كامل، لأن مئات الآلاف من سكان أرمينيا إما يتحدرون منه، وإما لهم أقرباء هناك. وقد تزداد القضية خطورة في حال تدفق حشود من اللاجئين من ناغورنو كاراباخ أو قد تتراجع إلى المشهد الخلفي في حال نجاح المفاوضات بين السلطات المركزية الأذربيجانية والسكان المحليين”.
وكانت مدينة يفلاخ الأذربيجانية قد شهدت أمس الأول الخميس، أول اجتماع بين الممثلين عن السلطات الأذربيجانية والسكان الأرمن بحضور مراقب عن قوات حفظ السلام الروسية.
باشينيان لن يسقط
في أرمينيا، اعتبر المحلل السياسي، الباحث بمعهد القوقاز في يريفان، غرانت ميكايليان، أن باشينيان لا تزال لديه فرصة الحفاظ على السلطة رغم السخط في المجتمع الأرميني من أعماله، مرجحاً ألا تؤدي احتجاجات الشوارع إلى إسقاطه. ورأى أن أعمال باشينيان ولّدت في المجتمع الأرميني شعوراً بالصدمة والغضب تجاه رئيس الوزراء نفسه وروسيا أيضاً.
أندري أريشيف: من المؤكد أن الاحتجاجات ستتواصل وستتسع رقعتها
قال ميكايليان في حديث لصحيفة “نيوز.رو” الإلكترونية الروسية: “من جهة، نأى باشينيان بنفسه عن قضية آرتساخ، وحاول وضع المسؤولية على عاتق روسيا، ومن جهة أخرى، تبقى قوات حفظ السلام الروسية مرابطة هناك وتتحمّل جزءاً من المسؤولية. يثير ذلك حالة من الصدمة في المجتمع الأرميني والغضب من روسيا وأفراد حفظ السلام التابعين لها وباشينيان”.
ومع ذلك، أقرّ ميكايليان أن “جهاز الشرطة لدى باشينيان لا يزال كافياً للحفاظ على السلطة، وتخضع الأجهزة الخاصة له، وهناك قنّاصة يعتلون الأسطح، وعلى الأرجح لن يحصل المحتجون في الشوارع على أي تنازلات”. وتوقع ألا يتصرف البرلمان الأرميني وأجهزة القوة ضد باشينيان، مضيفاً: “يتبع أغلب نواب البرلمان له، ولن يسائلوه عن أي شيء. لا نفوذ سياسياً لهم من دونه، وسيتشبثون به في المستقبل القريب على الأقل”.
باشينيان يبّرر موقفه في قضية ناغورنو كاراباخ
وكان باشينيان قد حمّل في كلمة إلى الأمة قوات حفظ السلام الروسية المسؤولية عن أمان الأرمن في ناغورنو كاراباخ بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، موضحاً أن يريفان لم تشارك في وضع نص الاتفاق القاضي بدمج الإقليم ضمن أذربيجان. إلا أن تحميل روسيا المسؤولية عما جرى، لم يقنع المحتجين الذين واصلوا تظاهراتهم الاحتجاجية في ساحة الجمهورية بجوار مبنى الحكومة الأرمينية في وسط يريفان.
وقال القيادي بالمعارضة الأرمينية، أفيتيك تشالابيان، في مستهل التظاهرات: “حضرت الحكومة الحالية بهدف واحد، وهو تسليم آرتساخ. شعرتُ بالعار عند متابعتي كلمة باشينيان. لم يجد حتى كلمات دعم لأشقائنا وشقيقاتنا في آرتساخ. غسلت القيادة الأرمينية يديها، ولم تحاول حتى تنظيم إجلاء سكان الإقليم. هذه ليست مصادفة، بل سياسة”.
وتوصلت أذربيجان وأرمن ناغورنو كاراباخ الأربعاء الماضي، إلى اتفاق لوقف أعمال القتال، وذلك بعد يوم فقط على شن أذربيجان عملية عسكرية محدودة في الإقليم. وشمل الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة قيادة قوات حفظ السلام الروسية، انسحاب الوحدات المتبقية وعسكريي الجيش الأرميني من منطقة مرابطة قوات حفظ السلام الروسية، وحل جيش ناغورنو كاراباخ ونزع سلاح أفراده بالكامل، وسحب الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة من أراضي الإقليم، وإجراء مناقشة لقضايا إعادة دمج الأرمن بين ممثلي السكان المحليين والسلطات المركزية الأذربيجانية، وهي عملية قد انطلقت بالفعل في يفلاخ.
رامي القليوبي – العربي الجديد – ميادين