يعيش الجزائريون وأحباء الجزائر حالة قلق كبير إثر الإعلان عن مرض الرئيس عبد المجيد تبون، والذي استدعى نقله إلى ألمانيا حيث توجد إمكانيات طبية لا تملكها الجزائر، التي ورث تبون وضعيتها المحدودة في المجال الطبي المتخصص.
وكان الرئيس قد اندفع بحماس، رآه كثيرون مبالغة محمودة وتحفظ عليه آخرون، لإلقاء الزهور على أداء المنظومة الصحية في الجزائر، انطلاقا من أنها عرفت إنجازات لها أهميتها منذ استرجاع الاستقلال، وخصوصا منذ تطبيق نظام الطب المجاني في عهد الرئيس الراحل هواري بو مدين، حيث اختفت من الساحة الجزائرية، كأمراض مستوطنة، أمراض فتاكة، من بينها السلّ والدفتريا والحمى الشوكية والتيفود وأمراض الكبد المُعدية، وتقلصت إلى حد كبير الإصابة بأمراض أخرى مثل شلل الأطفال والسعال الديكي، ولم تعرف الجزائر أوبئة من أي نوع بفضل عمليات تطهير المحيط والتوسع الهائل في التطعيم، بينما لم تنجح البلاد تماما في مواجهة بعض ما تعاني منه معظم البلدان مثل السرطان وقبل ذلك الأنفلونزا الموسمية، وفي التقليل من اللجوء إلى الخارج. وكان واضحا أن الرئيس الجزائري أراد تشجيع العاملين في المنظومة الصحية وهم يواجهون جائحة “الكورونا”، وقدموا شهداء عديدين من الأطباء والممرضين والعمال، وكان من بين عناصر التشجيع إقرار قانون بتشديد العقوبة على أي اعتداء على عناصر الرعاية الطبية. لكن دفاع الرئيس عن المنظومة الصحية لم يستطع أن ينفي التقصير الكبير الذي عرفه هذا المجال، وخصوصا في السنوات الأخيرة، والذي كان وراءه غالبا سوء اختيار القيادات التي تولت مسؤولية تسيير الشؤون الصحية، ومن هؤلاء من هم اليوم في قبضة العدالة. وإذا كان النقد الذاتي ضرورة صحية للمجتمع فإن جَلْد الذات هو مرض نفسي ذو أثر مُخرّب على معنويات الأمة وعلى همم الرجال، وهو غالبا تعبير عن عُقدِ نقصٍ يستر بها البعض إهمالهم في أداء الواجب أو عن خلفية يصفي بها البعض الآخر حسابات سياسية أو إيديولوجية مع هذا المسؤول أو ذاك. وحقيقي أن الجائحة فاجأت الجميع على مستوى المعمورة، لكن هذا لا يبرر الفرار من مواجهة النفس، والاعتراف بأي قصور بل وبأي تقصير في كل ميادين الحياة، وفي الميدان الصحي على وجه الخصوص، يجب أن يكون إلزاما وظيفيا والتزاما وطنيا ليس فيه ما يُخجل أو يعيب، بشرط أن يتكامل معه جهدٌ جادّ لبناء منظومة الأمن القومي، بالمعنى الوطني الكامل لهذا التعبير.
– في الأيام الأولى للجائحة، بادرتُ بالاتصال هاتفيا بالصديق القديم اللواء عبد العزيز مجاهد، الذي كان عُيّن مسؤولا أمنيا على مستوى رئاسة الجمهورية، وشرحت له، كطبيب وكواحد ممن كانوا جزءا من مجموعة الرئاسة لنحو 13 عاما، مفهومي لمتطلبات أمن الرئيس، وقلت له بأنني أعرف الرئيس وأسلوبه المتواضع في التعامل مع الجميع، وذكرت له تصرفاتٍ عشتها شخصيا مع “سي عبد المجيد”. وكانت خاتمة دردشتي رجاءً بأن يعمل على حماية الرئيس من نفسه، وألا يخجل من التصدي لمحاولات العناق والتقبيل التي يحرص عليها البعض، خصوصا في وجود آلات التصوير. ويحدث ما كنا نخشى منه، ويردد بعض كارهي المستعمر السابق بمبالغة لها معناها أن “الفيروس” جاءنا مع بعض الوفود التي استقبلها الرئيس في الشهور الماضية. ولعل من بين المواطنين من أحسّ، برغم مشاعر القلق والأسف والتعاطف، براحة كبيرة لأن الرئيس نُقل إلى ألمانيا وليس إلى فرنسا، التي تربطنا بها منذ سنوات اتفاقيات طبية، كانت تضطر كثيرين إلى اللجوء إلى المستشفيات الفرنسية، خصوصا وأن وجود جالية جزائرية كبيرة هناك يضمن لهم حاجتهم من “اليورو”، الذي يسددون مقابله لأسر المهاجرين في الجزائر عن طريق عمليات المقاصة، التي يجب أن نعترف بأنها دمرت القيمة القديمة للدينار الجزائري . وترتفع أكف الوطنيين والمواطنين متضرعة للمولى عز وجل أن يعجل بشفاء الرئيس وكل المرضي الذين أصابتهم الجائحة، وما ذلك على الله بعزيز، ونعيش جميعا وضعية قلق متزايد ونحن نتساءل عن مصداقية الاستفتاء على الدستور إذا تم في غياب المسؤول الأول عن البلاد، وعمّا إذا لم يكن من الحكمة إعادة التفكير في هذه الساعات الأخيرة قبل أول نوفمبر.
– تابعت تصريح السياسي الفرنسي اليساري جون لوك ميلانشون الذي ندد، كمثقفين فرنسيين آخرين، بالتهجم على الإسلام والمسلمين، كما قرأت تصريحا نسب للمثل الفرنسي دوبارديو، وهو لا ينتمي للإخوان المسلمين، قال فيه ما لا يتناقض مع ما قاله ميلانشون، وبالطبع فقد أسعدني أن فتحت “رأي اليوم” صدرها لرسالة الرهينة الفرنسية “مريم بترونين” التي وجهتها للرئيس الفرنسي، والتي عتمت عليها تماما وسائل الإعلام اليمينية واليسارية والثقافية والفنية في بلاد ترفع لواء حرية التعبير. ولم يصدر عن الرهينة الفرنسية السابقة أي تكذيب أو تفنيد للرسالة التي نشرت بأكثر من لغة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن هنا شعرتُ بالخجل والبعض عندنا يُشكك في صدقية الرسالة بل وفي مواقف من نددوا بمواقف الرئيس الفرنسي، بينما راح البعض الآخر ينصحنا بعدم تصديق الأصوات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، في إشارة ملتوية مضمونها اتهامنا باختلاق مواقف التعاطف، لولا أن التصريحات الفرنسية موثقة في معظمها بالصوت والصورة. وفي الوقت نفسه كنت أقرأ لمن حُمّلوا، في ظروف “مشبوهة”، مهمة الحديث باسم الإسلام وهم يدلون بتصريحات تلتمس الأعذار للرئيس الفرنسي وتبرر مواقفه، وكنت أتابع صورة رجل الدين المغاربي الشهير وهو يحمل، متضامنا مع اليمين الحاقد على الإسلام، باقة ورد كتلك التي كان يحملها بعد حكاية “شارل هبدو”، ويزداد شعوري بالخجل لأن هؤلاء جميعا محسوبون علينا. والغريب العجيب أن أحدا لم يتوقف لحظة للتساؤل عن السبب في أن كل من اتهموا بالإرهاب”الإسلامي” تمت تصفيتهم جسديا على الفور، في حين أن وحوشا ضارية تفر من حديقة الحيوان يتم تخديرها للسيطرة عليها. ومن الطبيعي والحال هكذا أن يكون هناك من يدعي أن السبب في تلك العمليات، التي تعتبر عمليات إعدام غير قانونية، هو ألا يُقدّم “الإرهابي” إلى محاكمة علنية نعرف فيها من وراءه وما وراءه. ولقد توقفت طويلا عند تعليق لقارئ على جريمة “نيس”، المدانة بكل اللغات، يقول: هذا عمل مخابراتي بامتياز لتخفيف الضغط على ماكرون، الفاعل قد يكون مسلما لكن من الذي جنده وتلاعب به. ويكون السؤال الأكثر أهمية: هل هناك علاقة بين كل هذا وعمليات التطبيع الجارية على قدم وساق، والمدعوة إلى الاتساع والتواصل؟
– تحية تقدير واحترام للدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر على مواقفه وتصريحاته التي تشرف عالما مسلما يستحق أن يُعتبر من ورثة الأنبياء. وفي الوقت نفسه، لا أستطيع أن أقمع احتقاري لتصريحات بعض المعممين الذين يحاولون إمساك العصا من الوسط، ويحرصون، فيما يبدو، على إرضاء مكاتب التأشيرات في السفارات الأجنبية، والذين يتفننون في ابتكار البلاغيات التي “لا تغضب الذئب ولا تُبكي الراعي”، حسب التعبير الشعبي.
– مسجد باريس اختار موقعه.
– المقاطعة المحدودة للبضائع الفرنسية، وبرغم أنها مبادرات شعبية فردية، دفعت السلطات الفرنسية إلى الاستنجاد بالاتحاد الأوربي الذي راح يندد بذلك متكاملا مع تهديدات الخارجية الفرنسية، وهو في الوقت نفسه ينتهز الفرصة للإساءة لتركيا، وهذا دليل على أمرين، الأول أن المقاطعة هي التي ستفرض على الغرب احترامنا، إذا أردنا أن نحظى بالاحترام، والثاني هو التذكير بالمثل الجزائري: خوك خوك …لا يغرك صاحبك. وبالمناسبة، يبدو أن دعوات مقاطعة المنتجات التركية فشلت إلى حدّ كبير في منطقتنا، ويؤكد هذا، إن صحّ، أن جماهيرنا وصلت إلى اليقين بأن التركي هو أخ، رغم أنف من كانوا يقولون أنهم إخوة.
– احترام حرية التعبير أمر لا مزايدة فيه ولا مناقصة، لكن المطلوب، ديموقراطيا، أن يكون بدون انتقائية أو حصرية، وكمثال بسيط، لماذا لم يوصف مهاجم “أفينيون” بأنه “إرهابي” مسيحي أو يميني، وقبل ذلك، لماذا يريدوننا أن ننسى ما حدث مع روجي غارودي لمجرد أنه شكك في “عدد” من قتلوا من اليهود على يد هتلر…ألا يدخل هذا في إطار حرية التعبير؟ والقوم في بلاد الجن والملائكة لا يحاولون الاستفادة من تجربة بلد مثل بريطانيا في التعامل مع الإسلام، ويصرون على استفزاز المسلمين بحجة حرية تعبير لا يحترمونها، ثم يولولون. وإشعال النار هو أمر سهل وفي متناول أي طفل، إما إطفاؤها فقضية يشيب لهولها الوِلْدان.
دكتور محيي الدين عميمور – مفكر ووزير اعلام جزائري سابق
الانتخابات المحلية التي شهدتها تونس 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري هي المحطّة الانتخابية الرابعة بعد استفراد الرئيس قيس سعيّد بالحكم يوم 25 يوليو/ تموز 2021، فقد سبقتها الاستشارة الشعبية الإلكترونية والاستفتاء على الدستور يوم 25 يوليو/ تموز 2022 والانتخابات البرلمانية في دورتين يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول من السنة نفسها و29 يناير/ كانون الثاني 2023.