تدفع الجزائر إلى تفعيل آلياتها الدبلوماسية، بالموازاة مع مراجعة وإعادة توجيه الجهاز العامل، مع الخارطة التي حددتها في الآونة الأخيرة، والتي ظهرت عليها إعادة ترتيب عدة أوراق تتعلق بالتعاطي مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية، وبناء شراكات جديدة أو إحياء خطوط دبلوماسية خيم عليها الفتور، ولو أن الأمر أفضى الآن إلى حالة من الارتباك والعزلة في ظل التوترات التي استجدت مع دول وحكومات في المنطقة.
واستدعت الجزائر بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية العاملة في العالم، للمشاركة في ندوة هي الأولى من نوعها منذ قدوم الرئيس عبدالمجيد تبون إلى قصر المرادية في 2019، وحتى منذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك من أجل إعطاء دينامية جديدة وشرح خارطة طريق التوجهات التي حددتها السلطة في برنامج الحكومة، الذي تناول لأول مرة العمل الدبلوماسي.
وبرزت خلال الأشهر الأخيرة معالم تحولات بارزة في الدبلوماسية الجزائرية، حيث يجري تكثيف العمل في مختلف الجبهات الإقليمية والدولية، لاسيما على المستوى العربي والأفريقي، والدفع باتجاه بعث تكتل إقليمي جديد يضم دول شمال أفريقيا وأخرى من الحزام الجنوبي، فضلا عن تعزيز الجهاز بوجوه توصف بـ”المخضرمة” لدعم الجبهة الخارجية.
وتطرق تبون في المداخلة التي قدمها في ندوة البعثات الدبلوماسية والقنصلية، إلى الخطوط العريضة التي حددتها السلطة لتفعيل النشاط الدبلوماسي، حيث جاء التركيز على تكثيف الجهود على المستويين العربي والأفريقي، إذ تستعد الجزائر لاحتضان القمة العربية في شهر مارس القادم، وقطع الطريق على انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب.
وقال تبون في كلمته إن “التحديات التي تواجه الجزائر صارت أكثر خطورة بالنظر إلى بؤر التوتر، لاسيما في الصحراء (المغربية) مع تدخل جيش الاحتلال المغربي، وأن عقد هذا المؤتمر يأتي عقب الاضطرابات غير المسبوقة، مما يستدعي إعادة تكييف الدبلوماسية وفق احترام مبادئ السياسة الخارجية للجزائر، لاسيما بعد التهديدات التي تسعى لإثقال الكاهل الجزائري والعمل على إضعاف البلاد عن طريق ما يسمى بحرب الجيل الرابع”.
ويظهر من كلام الرئيس تبون أن الجزائر ستولي أهمية وجهدا إضافيين في ما يتعلق بنزاع الصحراء، لاسيما بعد التوتر المستجد مؤخرا، بعد مقتل ثلاثة رعايا جزائريين، حيث وجهت أصابع الاتهام إلى المغرب، كما رفعت تقارير لهيئات إقليمية ودولية على غرار الجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة.
الأشهر القادمة حاسمة للدبلوماسية الجزائرية حيث تستعد البلاد لاحتضان القمة العربية وسط توتر بينها وبين دول عربية
ودعا الرئيس تبون البعثات الدبلوماسية لبلاده إلى “إقامة علاقات دولية متميزة مبنية على عدم الانحياز، ونصرة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها”، كما شدد على “ضرورة تقوية الاتحاد الأفريقي وحمايته من أي محاولة لتحييده عن صفه، والعمل على إنجاح القمة العربية المقبلة المنتظرة في شهر مارس المقبل”.
وشدد على تعزيز التعاون بين بلاده وشركائها التقليديين كالصين وروسيا وتركيا، والولايات المتحدة، وعلى تفعيل الخطوط الفاترة مع دول في أميركا اللاتينية، وهي نية واضحة لدى الرجل لمراجعة بعض أوراق بلاده، لاسيما في ظل الأزمة القائمة مع فرنسا، والاستعداد لمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الأشهر القادمة ستكون حاسمة ومفصلية للجهاز الدبلوماسي الجزائري، فهي إلى جانب النظر في مسألة انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، التي ستفصل فيها قمة الرؤساء، تستعد لاحتضان القمة العربية في أجواء غير مسبوقة من الفتور والتوتر بينها وبين بعض الدول العربية، في أعقاب الأزمة المتصاعدة مع المغرب، وانحياز دول الخليج للمقاربة المغربية في حل النزاع بشأن الصحراء.
وإذ يجري العمل مع بعض العواصم العربية على إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، فإن القمة القادمة ستشكل تحديا حقيقيا للدبلوماسية الجزائرية، من أجل إقناع القادة والحكومات العربية بالحضور إليها، بسبب انقسام المواقف العربية بين ما يعرف بمحور التطبيع مع إسرائيل وبين محور الممانعة، وبين المؤيدين لعودة سوريا إلى الجامعة العربية والمعارضين لها، فضلا عن أزمة الصحراء التي خلقت انقساما آخر بعد انحياز دول الخليج للمقاربة المغربية.
وأكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن “الدبلوماسية الجزائرية تعرف حركية غير مسبوقة بفضل قرارات رئيس الجمهورية، وأنه تم تعيين حوالي 80 من رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، إلى جانب استحداث سبعة مناصب لمبعوثين خاصين مكلفين بالنشاط الدولي للجزائر وفق محاور تعكس مصالح وأولويات الجزائر في الفترة الراهنة”.
وأضاف “هذه الحركية الواسعة ستساهم في إعطاء نفس جديد للنشاط الدبلوماسي، بفضل مراعاتها للعوامل المهنية التي تكرس إرادة الرئيس تبون لتجديد وتشبيب القطاع، وحرصه على رفع نسبة تمثيل المرأة مع تجنيد الخبرة الثرية لعدد من الكوادر السامية، ضمن مقاربة متكاملة تهدف إلى تعزيز قدرة الجزائر الدبلوماسية على التفاعل والتأثير على كافة الأصعدة”.
وأوضح لعمامرة أن السياسة الخارجية للدولة ما هي إلا امتداد للسياسة الداخلية، وأن مضاعفة الجهود الدبلوماسية والعمل على مواكبة الأهداف الاستراتيجية لسياسة التقويم الوطني التي التزم بها الرئيس تبون، باتا أكثر من ضرورة.
ولفت مصدر مشارك في الندوة إلى أن الندوة الدبلوماسية تسعى إلى تحقيق تنسيق وطيد وفعال مع كافة مصالح وهياكل الدولة في نشاطها المرتبط بالعمل الخارجي، والانفتاح على المتعاملين الاقتصاديين في القطاعيين العام والخاص، وإلى تعديل وتحيين وسائل ومناهج وأدوات الدبلوماسية الجزائرية من أجل رفع راية الجزائر عاليا والذود عن سيادتها واستقلالها وسلامتها الترابية.