ليبيا والايدي الاثمة

حدث اذن ما كان يجب أن يحدث أو بالاحرى ما كان الجميع باستثناء الاغبياء يتوقعون حدوثه في كل حين, و حدث ما سبق أن حذر منه اغلب الملاحظين و المتتبعين للمشهد الليبي بعد تحول الصراع بين رئيسي الحكومتين فتحي باشا اغا وعبد الحميد الدبيبة من اطار الحرب الكلامية الى الحرب الحقيقة باستعمال كل انواع السلاح المنتشر في ليبيا و التي افرزت بعد معارك استمرت يوما واحدا حصيلة ثقيلة على الليبيين الذين يدفعون الثمن مضاعفا في أزمة لا يريد لها الفرقاء ولا القوى الاقليمية و الدولية المتداخلة أن تحسم ..

لم يخرج المشهد عن اطار سيناريوهات تكررت في ليبيا على مدى اكثر من عقد و تورط الايدي الاثمة في تدمير هذا البلد والدفع نحو تقسيمه وتفتيته …

لسنا ندعي قدرة على التنجيم و لكن الواضح ان ليبيا لن تستعيد استقرارها وعافيتها قبل اكتمال ثلاثة شروط مصيرية لا يختلف بشأنها اثنان و تتعلق الاولى بجمع كل السلاح المنتشر في ليبيا و بعض التقارير الاممية تتحدث عن مليون قطعة او يزيد تحت سلطة واحدة و الثانية بقطع الطريق أمام الشبكات المسلحة و المرتزقة الذين وجدوا لهم في هذا البلد مرتعا و الثالثة و هو الاهم فيتمثل في تجميع كل القوات الليبية المتناحرة تحت مظلة جيش ليبي وطني يحمي ليبيا و شعبها و هذا للاسف أمر غير قابل للتحقيق في وجود اكثر من سلطة تتناحر في ادارة البلاد كل منها مدفوع باجنداته ومصالحه و حساباته و وتوجهاته و بدون ذلك سيبقى المشهد رهينة الصراعات و و الاقتتال الذي يفتر مرة و يعود اخرى في مشهد لا هو بالحرب و لا هو بالسلم ..

و هذا ما حدث خلال الساعات القليلة الماضية في العاصمة طرابلس التي استفاقت بالامس على وقع صور دموية و مشاهد اعادت الليبيين الى مناخ ما بعد سقوط النظام السابق و دخول الليبيين في متاهات لم يكن بالامكان استقراء نتائجها و انعكاساتها على ليبيا كما على كل المنطقة ..

المعركة بين عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوفاق و بين فتحي باشااغا المكلفة من برلمان طبرق ليست سوى العنوان الظاهر لازمة ليبيا التي تعود لتذكر الفرقاء و المجتمع الدولي بأن شبح الانقسام ليس ببعيد و ام ليبيا ستظل تقف على فوهة بركان طالما استمرت حالة الانكار للمشهد الليبي المعقد ..

اذ و برغم الهدوء المسجل في الساعات القليلة الماضية فان كل السيناريوهات تبقى واردة بما في ذلك الاسوا في بلد ترتع فيه الشبكات المسلحة و المرتزقة و تتوفر فيه كل انواع السلاح و اسباب القتل و الموت اكثر مما يتوفرالخبز و اسباب الحياة ..

يبقى هدوء حذر طالما بقيت اسباب الصراع قائمة و نذر الانفجار ممكنة في كل حين ..لم يعد وصف شبح الحرب جائز فالحرب تحولت الى حقيقة على الارض و الليبيون من يدفعون ثمن صراعات الاخوة الاعداء و لكن ايضا ثمن صراعات القوى الاقليمية و الدولية المتوثبة لفرض هيمنتها على ثروات ليبيامن النفط و الغاز .. قد لا نبالغ اذا اعتبرنا ان الصورة القادمة من ليبيا و حالة الخراب و الدمار و الهلع تكاد تتطابق مع ما يتواتر من اوكرانيا مع اختلاف مهم و خطير ان اوكرانيا تعيش حربا مع بلد مجاور و هو روسيا كانت قبل ربع قرن جزء منه في المقابل فان ليبيا تعيش حربا بايدي الاخوة الاعداء الذين يبدو انهم تناسوا كل الاسباب المشتركة الممكنة واتفقوا على الاقتتال والتنافس …

قد تكون ايدي القذافي اثمة و ملوثة بدماء الابرياء و لكن ما يحدث في ليبيا يعزز القناعة بأن ايدي من يدعون التحكم في مصير ليبيا اكثر اثما و تلوثا من العقيد..

اسيا العتروس – كاتبة تونسية

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الشاب الذي هزم فرنسا… وطرد الفرنكفونية

ظلّ طيف من الأدباء والمثقفين العرب يتغنّى طوال حياته بانتمائه للثقافة الفرنكفونية. أعرف روائيًا مصريًا لم يكمل تعليمه الثانوي بقي يردّد حتى مماته أنه ابن الثقافة الفرنكفونية البار، رغم أنه لا يستطيع أن يتحدّث جملتين باللغة الفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
23 × 27 =