رمضان في اليمن.. مظاهر التكافل تذوي بسبب الحرب والغلاء

لم تعد عادة تبادل الأطباق سائدة بين اليمنيين في العاصمة صنعاء، ومنذ أول أيام الشهر الفضيل انكفأ الناس على أنفسهم وفي منازلهم بسبب الفقر والحرب، بينما ذوت مظاهر التكافل والتآلف التي لطالما كانت عامرة بين الأسر اليمنية.

وحتى وقت الإفطار ظل “عمران” يراقب هاتفه منتظرا رسالة أحدهم يدعوه للإفطار في منزله، لكن ذلك لم يحدث لغاية اليوم وقد انتصف الشهر، ليتجه إلى مسجد الحي للانضمام إلى مائدة صغيرة يتعهدها أحد التجار في الحي.

ويقول عمران -الذي درج على مغادرة قريته إلى المدينة في شهر رمضان من كل عام للعمل بائعا على الرصيف- إن أحوال الناس تبدلت ولم تعد كما كانت في السابق، إذ اعتاد قبل اندلاع الحرب على الإفطار في منازل الآخرين من معارفه وأصدقائه.

ويضيف للجزيرة نت “كان الناس يتسابقون على دعوتي للإفطار في منازلهم ليكسبوا الأجر، أما هذا العام سيمر كالعام الماضي، إذ لم يعد أحد قادر على أن يدعو شخصا ما إلى منزله”.

المطبخ الخيري الأكبر في العاصمة صنعاء قلص وجباته لـ500 أسرة فقيرة فقط (الفرنسية)

تراجع مظاهر التكافل

وتسبب ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية وانعدام الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين وقلتها في مناطق سيطرة الحكومة؛ في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية، وسُحقت الفئة المتوسطة تماما في الوقت الذي اتسعت فيه دائرة الفقر.

وفاقم انعدام المشتقات النفطية وغاز الطهي من الأزمة، إذ بلغ سعر اللتر الواحد من الوقود في السوق السوداء 1200 ريال يمني على الأقل (بما يعادل دولارين)، بينما بلغ سعر أسطوانة الغاز 25 ألف ريال يمني (42 دولارا).

ويقول يونس داود -وهو موظف في وزارة الإدارة المحلية بالعاصمة صنعاء- إن “الوضع الحالي جعل الواحد منّا يفكر في نفسه وأولاده، وإذا ما فكرت في دعوة أحدهم إلى مائدة الإفطار فالأمر بقي مكلفا ولم يعد كما كان في السابق”.

ويضيف للجزيرة نت “قبل الحرب كنت أدعو 3 أو 4 لمائدة إفطاري يوميا، أما اليوم بالكاد يكفي الفطور لأولادي الخمسة، إذا أضفت صنفا لمائدة الإفطار فيحتاج ذلك إلى ميزانية، نحن بلا رواتب منذ 7 سنوات، وكل الأعمال معطلة”.

موائد إفطار محدودة

وغابت الموائد الكبيرة في المساجد التي تقدمها الأسر للمارة والباعة المتجولين والفقراء، واقتصر الأمر على صحون صغيرة من الطماطم المسحوقة والخبز والتمر، غالبا ما تكون مخصصة لأفراد معدودين.

كما تراجعت جهود المبادرات الشبابية والجمعيات الأهلية لإفطار الصائم عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء التي حولت جزءا كبيرا من موارد الزكاة للجهات التابعة لها.

ويقول أحد التجار للجزيرة نت -فضّل عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية- إن جزءا من زكاة ماله كان يخصصها لإفطار الصائمين، لكن جماعة الحوثيين أجبرته على دفع معظمها لهيئة الزكاة التابعة لهم، مضيفا “كل عام يطلبون أكثر”.

ووفق الأهالي فإنه بات من النادر رؤية موائد الإفطار الجماعية في الأحياء والشوارع والأسواق، وإذا ما نظمت بعض الأسر التجارية فإن الأمر لا يخلوا من زحام شديد وتدافع من الفقراء الصائمين.

المبادرات الشبابية الرمضانية في العاصمة اليمنية أصبحت نادرة بعد 7 سنوات من الحرب (الفرنسية)

خفوت النشاط الخيري للشباب

كما اختفت المبادرات الشبابية التي تنطلق في الشهر الفضيل لتوزيع المساعدات ووجبات إفطار الصائم على المارة والأحياء الفقيرة. ويقول جمال الصبري -وهو أحد أعضاء مبادرة “جيش شنب” التي عملت خلال الأعوام الماضية في مشاريع إفطار الصائم- إن الوضع بات سيئا.

ويضيف للجزيرة نت “لا تزال هناك بعض المبادرات قائمة لكنها لم تعد بنفس الزخم، خصوصا مع تقلص التمويل، فبعد 7 سنوات من الحرب قليلا ما نجد من يموّل مبادرة خيرية، في مقابل زيادة هائلة لعدد المحتاجين”.

ويسعى بعض الشبان إلى سد الاحتياجات الكاملة لجميع المحتاجين، غير أن مساعيهم أخفقت في ظل تراجع التمويل وارتفاع الأسعار.

مطابخ خيرية مغلقة

كما تسببت الأوضاع الراهنة في إيقاف عمل معظم المطابخ الخيرية التي كانت قد انتعشت خلال السنوات الأولى من الحرب، وبقي القليل منها يعمل فقط في العاصمة صنعاء.

واعتذر الصحفي ماجد ياسين -الذي أدار مطبخًا خيريا كبيرا في محافظة إب وسط البلاد- على موقع فيسبوك، للذين كانوا يعولون على المطبخ، وقال إن التوقف هذا العام كان بسبب انعدام الغاز وارتفاع الأسعار.

أما المطبخ الخيري الأكبر في العاصمة صنعاء، فقلص وجباته لـ500 أسرة فقيرة بعد أن كان قد دعم العام الماضي أكثر من 3 آلاف أسرة، حسبما ذكر في بياناته على موقع فيسبوك.

وفي محافظات جنوبي البلاد الخاضعة لسيطرة الحكومة اختفت المطابخ الخيرية، ومثلها المبادرات الخيرية في ظل زيادة أسعار السلع وانهيار الأوضاع الاقتصادية، واقتصر النشاط الإغاثي على منظمات الأمم المتحدة في ظل تراجع القدرة الشرائية لمعظم اليمنيين.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أعلنت أمس الجمعة، أن أكثر من 25.5 مليون يمني باتوا يعيشون تحت خط الفقر، جراء تداعيات الحرب في البلاد، المستمرة منذ أكثر من 7 سنوات، مشيرة إلى أن “السكان في اليمن هم بحاجة إلى دعمنا الآن أكثر من أي وقت مضى”.

ميادين عن الجزيرة

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

فرنسا: المجلس الدستوري يرفض أكثر من ثلث بنود مشروع قانون الهجرة

في تشديد رقابي واسع النطاق، طعن المجلس الدستوري اليوم الخميس، في أكثر من 30 بندا في مشروع قانون الهجرة، ما يمثل حوالي ثلث النصوص الـ86، التي اعتمدها البرلمان الشهر الماضي تحت ضغط من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
10 ⁄ 5 =