إسبانيا.. بيدرو سانشيز يواجه تحدياً صعباً في الانتخابات العامة مع صعود اليمين المتطرف

مع أنّ زعيم المحافظين نونييز فييخو وغيره من المنتقدين قالوا مراراً إن سانشيز لا يمكن الوثوق به لإدارة البلاد وإنه مستعد للقيام بكل شيء من أجل البقاء في السلطة، ليس هناك من سياسي على مستوى إسبانيا لا يقرّ بأن سانشيز مقاتل من الباب الأول.

بقيت إسبانيا لفترة طويلة من الزمن، من الدول الأوروبية القليلة التي لا يُسمع فيها أصوات اليمين المتطرف. ولكن انتخابات عام 2019، غيّرت هذا الواقع، بعد أن فاز حزب فوكس اليميني المتطرف بـ52 مقعدًا من أصل 350 في مجلس النواب.

لم يطالب بيدرو سانشير الزعيم الاشتراكي الإسباني بالوقت لتضميد جروحه بعدما خسر الاشتراكيون الانتخابات المحلية والمناطقية هذا العام، فقدّم فوراً موعد الانتخابات العامّة من كانون الأول/ديسمبر إلى الأحد المقبل، وسط موجة من الحرّ الخانق التي تجتاح إسبانيا.

وكأن سانشيز يريد عبر قراره تقديم موعد الانتخابات حلّ هذه الأزمة لمرّة واحدة وأخيرة.

يعتبر مرشح الحزب الشعبي المحافظ للانتخابات العامة يوم الأحد، غير معروف في الغالب خارج إسبانيا، لكنه كان أقوى زعيم إقليمي في البلاد حتى الآن ولم يخسر أي انتخابات. كان “فيجو” مسؤولًا سياسيًا خلال السنوات الـ13 التي حكم فيها منطقة غاليسيا الواقعة شمال غرب إسبانيا.

حالياً تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم الحزب الشعبي المحافظ الذي يقوده ألبيرتو نونييز فييخو، وإلى أن الحزب في موقع جيّد لتشكيل ائتلاف حاكم مع الحزب اليميني المتطرف Vox.

ألبرتو نونيز فيجو، السياسي المحافظ الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه على وشك أن يصبح رئيس الوزراء القادم لإسبانيا، يحب أن يُـذكرّ أنه في جوهره مجرد “فتى قرية معتدل السلوك من الريف الشمالي الغربي للبلاد، رجل متواضع، صريح وحتى ممل” كما يحب أن يصف نفسه.

وإذا حصل ذلك حقاً، ستكون إسبانيا قد مضت في منحى سياسي أوروبي ازدهر في السنوات الأخيرة، مثل بلجيكا والنمسا وإيطاليا وغيرها.

وسيضع الائتلاف الحاكم الجديدة ركنين رئيسيين للاشتراكيين في مهب الريح: ثورة الطاقة الخضراء المدعومة من بروكسل وحقوق المرأة ومجتمع الميم.

“مقاتل سياسي بارع”

مع أنّ نونييز فييخو وغيره من المنتقدين قالوا مراراً إن سانشيز لا يمكن الوثوق به لإدارة البلاد وإنه مستعد للقيام بكل شيء من أجل البقاء في السلطة، ليس هناك من سياسي على مستوى إسبانيا لا يقرّ بأن سانشيز مقاتل من الباب الأول.

فسانشيز [51 عاماً] الذي ولد في مدريد والذي كان لاعباً لكرة السلة في السابق ومدرساً في مادة الاقتصاد في الجامعة، أثبت سابقاً أن بإمكانه العودة إلى الحلبة وتحقيق الانتصارات السياسية.

في 2017 نجح الرجل في الوصول إلى قيادة الحزب الاشتراكي وبعد عام واحد نجح في قيادة مقترح لحجب الثقة عن الحكومة والإطاحة بسلفه رئيس الوزراء المحافظ، ومن ثم الفوز برئاسة الوزراء.

وللبقاء في السلطة، دخل سانشيز في ائتلاف حاكم مع اليسار الراديكالي في 2019 وكان ذلك أوّل ائتلاف يحكم البلاد بعد أكثر من خمسين عاماً. والآن سيتعين عليه تحقيق فوز آخر على الرغم من الصعاب.

كثيرون يعتبرون سانشير بعيداً من الواقع إلى حدّ ما والرجل ليس خطيباً بارعاً ولا مناظراً من الصنف الأول.

ولكنّ المحلل السياسي جوسيب رامونيندا، المختص في اليسار الإسباني، يرى أن ما يميّز سانشيز عن غيره هو قدرته الكبيرة على الإحساس بالفرص [التي تلوح في الأفق]، كما أنه “قوي في تشكيل السياسات والنقاش في الصفقات واتخاذ القرارات الصعبة”.

ومن أولى القرارات التي اتخذها كرئيس للوزراء كان إزالة جثة الديكتاتور فرانثيسكو فرانكو من ضريح عام، كما أنّه أسس “أوراق اعتماده النسوية” من خلال وجود عدد من النساء يفوق عدد الرجال في مجلس وزرائه ونواب رئيس الوزراء المسؤولين عن الاقتصاد والبيئة والطاقة والتوظيف.

غير أنّ رامونيندا يشير إلى أن سانشيز يعجز أحياناً عن استغلال تلك الفرص والسبب في ذلك يعود برأيه لنبرته النخبوية وإلى أنه لا يمتلك كاريزما رجل السلطة التي يحتاج إليها رؤساء الوزراء الذين يبقون في مناصبهم لفترات طويلة.

دعم أوروبي

سانشيز الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة يعتبر مدعوماً من بروكسل على الرغم من أن فون دير لايين، رئيسة المفوضية، تنتمي لتيار سياسي آخر، ألا وهو تيار المحافظين.

ونجح سانشيز في إقناع فون دير لايين على الحصول على إعفاء من قرارات الاتحاد للحد من أسعار الطاقة وكبح التضخم. وضغط من أجل إسبانيا لتأمين 140 مليار يورو في شكل تحويلات وقروض مباشرة من صناديق التعافي من الأوبئة في الاتحاد الأوروبي، ووضع الكثير من هذه الأموال في مصادر الطاقة النظيفة.

ويمرّ الاقتصاد الإسباني بمرحلة من النموّ ويخلق فرص عمل على الرغم من الاضطرابات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

واتبع سانشيز خطاً متشدداً في مكافحة كوفيد، فأنفق الأموال بكثرة لمساعدة الناس على البقاء في عملهم، كما أنه فرض إغلاقات من الأقسى أوروبياً وجعل من إسبانيا إحدى الدول الأولى على مستوى التطعيم.

معضلة اليسار الراديكالي والانفصاليون

تعود بذور المشاكل الحالية إلى 2019 عندما حقق سانشيز النصر مجدداً في الانتخابات ولكنه كان بحاجة إلى تشكيل ائتلاف حاكم مع اليسار الراديكالي [أونيداس بوديموس]. في وقتها قال إنه “لن يتمكن من النوم إذا شغل أعضاء من الحزب الراديكالي مناصب وزارية مهمة”.

وبعد أربع سنوات أثار قانون جديد للرضا الجنسي من شأنه أن يخفف عقوبات السجن لمئات المدانين فوضى كبيرة في البلاد. وكان وزيرة المساواة في حكومة سانشيز، وهو سياسي ينتمي إلى حزب أونيداس بوديموس، أحد أبرز داعمي هذا القانون الذي كان حتماً أكبر خطأ سياسي ارتكبته الحكومة منذ 2019.

أيضاً على الصعيد الإسباني، نجح سانشيز من خفض حدّة التوتر مع الانفصاليين عبر البدء بحوار معهم والإعفاء عن 9 مدانين. ولكن المحافظين يقولون اليوم إن سانشيز خفف التوتر معهم فقط للفوز بأصواتهم في البرلمان.

بأي حال، نجاح سانشيز في انتخابات الأحد سيعتمد إلى حدّ كبير على نسبة مشاركة الاشتراكيين التابعين له في كتالونيا وغيرها من المناطق وعلى نسبة مشاركة التحالف اليساري الراديكالي “سومار “.

ع. المسعودي – ميادين

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

كيف أدى سقوط معسكر ماكرون وانحسار شعبيته إلى تغيير المشهد السياسي في فرنسا؟

سوّق الرئيس الفرنسي حزبه على أنه قوة وسطية ضد التطرف، لكنه يواجه الآن استحقاقا نتائجه غير مأمونة النتائج، وبالتالي فإن استراتيجيته المتمثلة في تأليب ائتلافه الرئاسي ضد تيارين يقفان على النقيض من بعضهما قد لا تأتي أُكلها مع الناخبين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
27 − 19 =