شكّل افتتاح المعبر الحدودي بين العراق والسعودية قبل نحو عامين محطة مهمة في تاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، وسط أجواء من التفاؤل بتحقيق مكاسب كبيرة للجانبين وإنهاء سنوات طويلة من القطيعة.
وكانت هيئة المنافذ الحدودية في العراق أعلنت في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، افتتاح منفذ عرعر الحدودي مع السعودية بشكل رسمي لأغراض تجارية، ثم تطور لاحقا ليُسمَح بمرور المسافرين من مواطني البلدين.
العلاقات التجارية
ويقول الخبير الاقتصادي صلاح عريبي العبيدي إن افتتاح المنفذ بعد انقطاع دام نحو 30 عاما، أسهم بشكل كبير في تعزيز التجارة بين البلدين.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار العبيدي إلى أن مجموعة من الاتفاقيات وقعت في عهد الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي على مستوى القطاع الحكومي فضلا عن الخاص، إضافة إلى تأسيس المجلس التنسيقي السعودي العراقي الذي سعى لإزالة عوائق الاستثمار وإتاحة فرص لرجال الأعمال.
وبيّن العبيدي أن العلاقات بين الطرفين ازدادت من خلال تبادل الزيارات على المستوى السياسي التي أسهمت في تعزيز الجانب التجاري، منبها إلى إمكانية ملاحظة ذلك من خلال نسبة التبادل التجاري التي ازدادت بنحو 25%، وهو ما يؤشر تطورا إيجابيا، ولا سيما بعد السماح للمعتمرين بالذهاب إلى السعودية برا عبر منفذ عرعر.
إضافة إلى ذلك، أوضح العبيدي أن العلاقات التجارية بين البلدين توسعت لتشمل تبادل المواد الإنشائية والغذائية وغيرها، مما قد يدفع الطرفين لتوسيع المنفذ وتطوير مرافقه الحيوية مستقبلا، خاصة أنه لن يكون محطة عبور خاصة بالبلدين فقط، بل لدول الجوار الإقليمي مثل تركيا التي سيكون بإمكانها توسيع تبادلها التجاري مع السعودية وبقية دول الخليج من خلال المنفذ.
ورجّح الخبير الاقتصادي ارتفاع التبادل التجاري عبر منفذ عرعر بنحو 50% في حال بقاء العلاقات السياسية بين الطرفين بشكلها الإيجابي، ومنع بعض القوى السياسية من تعكير صفوها؛ إذ سيسمح بمرور الشاحنات من كلا الطرفين، ولا سيما الخاصة بتجارة “العبور” (الترانزيت)، وهو ما سيسهم بتوفير الآلاف من فرص العمل.
ويقدّر العبيدي مرور نحو 60 شاحنة يوميا من المنفذ في الوقت الحاضر، وتتمثل في مواد إنشائية وغذائية، حيث وفر افتتاح المنفذ فرص عمل للمواطنين في محافظة الأنبار بمنطقة الرطبة.
الميزان التجاري
ويقدّر حجم التبادل التجاري بين العراق والسعودية بنحو مليار دولار، بلغت حصة العراق منه 40 مليون دولار عام 2020، مما يشير إلى أن كفة الميزان التجاري تميل لصالح السعودية، وذلك وفق ما أكده الباحث المختص بشؤون التجارة والنقل أحمد صدام.
وفي حديثه للجزيرة نت، عزا صدام ضعف الصادرات العراقية إلى حالة الاختلال الإنتاجي الكبير في الاقتصاد العراقي والاعتماد على الاستيراد من الخارج، إذ نقل عن بعض المصادر أن هذا التبادل ارتفع بنسبة 15% في عامي 2021 و2022، وذلك بفضل التفاهمات التجارية الأخيرة بين البلدين، ولا سيما بعد فتح منفذ عرعر الحدودي.
وعن أبرز السلع التي يستوردها العراق من السعودية، أشار صدام إلى أنها تتنوع بين المواد الغذائية، وتمثل ما نسبته 60%، إضافة إلى مواد البناء. وفي المقابل، يصدِّر العراق مواد أولية مثل خردة الألومنيوم وخردة الحديد وبعض المواد الغذائية.
ونبّه الباحث في شؤون التجارة والنقل إلى أن “التبادل التجاري كان شبه معدوم قبل فتح الحدود، لكن واقع الحال يشير إلى أن كثيرا من السلع السعودية، ولا سيما الغذائية، كانت تدخل إلى السوق العراقية عن طريق الأردن والكويت، وهذا بطبيعة الحال يرفع من كلفة النقل خصوصا السلع الداخلة من الأردن”.
من جانبه، وصف الباحث في العلاقات الدولية الإستراتيجية طارق محمد الطائي، منفذ عرعر بأنه أحد الركائز الإستراتيجية في عملية توفير بدائل متعددة للسوق العراقية، كما أنه يعزز من التقارب بين الشعبين العراقي والسعودي.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الطائي إن المنفذ يمكن أن يتحول إلى “طريق حرير خليجي”، يربط بين الخليج العربي وتركيا وأوروبا، بما يمثله من فرص واعدة إذا ما تم توظيفه واستثماره، لافتا إلى أن توسعة المنفذ وتطويره تعتمد على الإرادة السياسية في البلدين.
على الجانب الآخر، قال النائب في مجلس النواب العراقي باسم نغيمش الغريباوي إن الكثير من التحديات والعوائق دفعت البلدين إلى تأجيل افتتاح المنفذ، إذ إن بنيته التحتية لم تكن مهيأة، ولم يكن يحتوي على أجهزة سونار وغيرها، مما حدا بالبلدين للاتفاق والتعاون لإعادة ترميمه وافتتاحه.
وتابع الغريباوي حديثه للجزيرة نت بالتأكيد على أن الحكومة العراقية عملت على تطوير الطرق وتأمينها وتوفير الكهرباء لأجل افتتاحه، لافتا إلى أن المنفذ يعمل اليوم بشكل كامل، سواء للتبادل التجاري أو للزيارات الدينية والسياحية وغير ذلك، معلقا بأن “التجارة العراقية السعودية في تطور مستمر، وحركة البضائع جيدة بين البلدين”.
عقود من الإغلاق
وعن أسباب إغلاق حدود العراق مع السعودية لعقود، قال الكاتب والأكاديمي صباح الناهي إن “قضية غزو الكويت أتت لتوقف تنامي العلاقات بين العراق والسعودية عام 1990، حيث قادت الجامعة العربية حملة وقرارات تدين الغزو، فيما وجدت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها مضطرة إلى قطع علاقتها بالعراق”.
وأضاف للجزيرة نت أنه جرت مفاوضات ومحاولات لإعادة اللحمة العربية مع العراق، وإعادة تقويته بعد أن أدركت دول الخليج -وفي مقدمتها السعودية- مدى التمدد الإيراني، والتقارب الحذر الذي حدث بين العراق وإيران إبان فترة الحصار الدولي الذي استمر 13 عاما.
وتابع الناهي معلقا: “رغم سقوط نظام صدام حسين والغزو الأميركي للعراق عام 2003، فإن المملكة نأت بنفسها عن الملف العراقي الذي يوسم بالتدخلات الإقليمية والنشاط الطائفي، فاكتفت بالمراقبة الحذرة حتى الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011”.
وأشار إلى أن السعودية حاولت أن تضطلع بدور إيجابي في مناصرة الشعب العراقي بعد الانسحاب الأميركي، غير أن إيران كانت تتقدم بخطوات، ومنعت أي تقارب عراقي سعودي لأسباب عديدة في مقدمتها الهيمنة الإيرانية على الاقتصاد العراقي، مشيرا إلى أنه بالرغم من كل العوائق التي وضعت، فإن مشروع تطبيع العلاقات السياسية بين العراق والمملكة قطع شوطا كبيرا، وكانت المملكة الأكثر مبادرة في ذلك السبيل، بحسب تعبيره.
المصدر : الجزيرة