العراق سوء طالع ..أم سوء إدارة

يمتلك العراق ما يقارب (145) بليون برميل من احتياطات النفط ,وهو ما يمثل نحو 17% ) من إجمالي احتياطات الشرق الأوسط النفطيّة، ونحو(9% )من احتياطات العالم وفقًا للتقديرات الدولية المتاحة. وبذلك، تكون احتياطات العراق في المرتبة الخامسة على مستوى العالم، فيما يُعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة “أوبك” بعد المملكة العربية السعوديّة .

ويمتلك العراق احتياطات مؤكّدة من الغاز يقارب حجمها (137 ) تريليون قدم مكعّب، وهو ما يضع العراق في المرتبة العاشرة عالميًّا من حيث حجم احتياطات الغاز المؤكّدة. مع العلم أن نسبة الأراضي العراقيّة التي لم يتم التنقيب فيها عن مكامن محتملة للغاز الطبيعي، تتجاوز (80%)، وهو ما يمثّل بحد ذاته فرصة كبيرة لاكتشاف احتياطات إضافيّة من الغاز في المستقبل .

نشر المعهد الاميركي للطاقة تقريرا للثروات الطبيعية في العالم يوضح فيه اغنى اول عشر دول في العالم من حيث الثروات الطبيعية. وقد احتسبت الثروات على اساس وجود النفط والغاز والفحم والغابات والاخشاب والذهب والفضة والنحاس واليورانيوم وخام الحديد والفوسفات. جاء العراق في المركز التاسع من اصل ( 193 ) دولة عضو في الامم المتحدة.

ويمتلك العراق نحو (9%) من الفوسفات وبذلك يحتل العراق المركز الثاني عالميا بعد المغرب .ولا تقتصر ثروات العراق الطبيعية على النفط والغاز والفوسفات فقط , بل هناك موارد طبيعية أخرى كثيرة لم يتم إستغلالها بعد , فهناك الكبريت في منطقة المشراق جنوب الموصل , حيث يبلغ احتياطي الكبريت في تلك المنطقة نحو(600) مليون طنا ,ويعد اعلى خزين عالمي يضاف لها ( 40)مليون طن في منطقة الفتحة في (بيجي) ، ويتصف كبريت المشراق بلونه الاصفر الفاتح بنسبة نقاوة (99%) .

اعلنت هيئة المسح الجيولوجي العراقية التابعة لوزارة الصناعة والمعادن قبل مدة, اكتشاف مناجم تحوي كميات ضخمة من مادة الكاوؤلين الأبيض، التي تُستخرج منها مادة الألومنيوم العالي النقاوة ضمن محافظة الأنبار القريبة من الحدود العراقية – السعودية.

وان وزارة الصناعة بدأت عملية نقل كميات من هذه المعادن إلى خارج الموقع على شكل أكداس لتسويقه إلى الجهات المستفيدة، ليُستخرج بعدها الكاوؤلين الأبيض العالي الالومينا التي تتجاوز نسبتها (40 %)، وهي النسبة التي يمكن معها استخراج الألومنيوم من هذا الخام . كما تضم الأراضي العراقية مادة الزئبق الأحمر الذي تشتهر به محافظة ميسان ولكن لم يستفد منه بسبب تهريبه من قبل مافيات الفساد مما حرم العراق من موارد مالية كبيرة.

كما يمتلك العراق احتياطيات من خام اليورانيوم في مناجم عكاشات على الحدود مع سوريا. وقد سبق للعراق ان انتج حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين، ما لا يقل عن ( 164) طنا من الكعكة الصفراء، التي تم الحصول عليها من منجم عكاشات وتمت معالجتها في منطقة القائم.

يمتلك العراق ما يقارب (23 ) مليون دونم من الأراضي القابلة للاستثمار الزراعي، حيث يمتاز العراق بخصوبة التربة والسهول الواسعة المناسبة للنشاط الزراعي.

كما يمتاز بوفرة المياه الجوفيّة المتجددة، التي يتجاوز مخزونها الخمسة مليار متر مكعّب، يُضاف إليها مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما . كما يملك العراق مواقع سياحية ذات قيمة حضارية دولية , ومراقد ومزارات دينية لمختلف الأديان والطوائف يؤمها ملايين الزوار سنويا على مدار العام , يمكن أن يجني منها العراق مليارات الدولارات لتعزيز إقتصاده الوطني لو أحسن تنظيمها .

يمتلك العراق، الإمكانات المرتبطة بموقعه الإستراتيجي، والذي يخوّله لعب دور كبير على مستوى التجارة الدوليّة. فالعراق يتوسّط جغرافيًّا كل من إيران، التي تعتبر العراق بوّابة تجاريّة لا غنى عنها باتجاه المشرق، ودول الخليج العربي التي تمثّل التكتّل الاقتصادي والمالي الأهم في المنطقة. كما يتوسّط بلاد الشام التي تمثّل نافذة بالغة الأهميّة باتجاه مياه البحر الأبيض المتوسّط، وتركيا التي تمثّل منفذا إستراتيجيا باتجاه الأسواق الأوروبيّة. وبذلك، يصبح من الواضح أنّ العراق يمتلك فرصة مزاوجة الإمكانات الماليّة الناتجة عن ثرواته الطبيعيّة، مع الإمكانات التجاريّة المرتبطة بموقعه، والدور الإستراتيجي الذي يمكن أن يلعبه من خلال هذا الموقع .

ولعل اعلان الجكومة العراقية مؤخرا عن مشروع طريق التنمية الذي يربط ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق بشبكة سكك حديد حديثة وطرق مرور سريعة بتركيا ومن خلالها بأوربا , ليكون العراق حلقة وصل ستراتيجية للتجارة الدولية بين دول آسيا ودول الخليج العربي والدول الأوربية ذهابا وإيابا , فضلا عن إنشاء مدن صناعية على جانبي الطريق عبر الصحراء الغربية , وبمشاركة دول جوار العراق ودول أخرى والبنك الدولي , بارقة أمل بإنتشال العراق من واقعه الإقتصادي المزري .

ويحدونا الأمل أن يرى هذا المشروع الإقتصادي العملاق النور وأن لا تطاله شبهات الفساد التي طالت مشاريع أخرى سابقة كثيرة في العراق , ما زالت متلكئة حتى الآن , وبعضها مشاريع وهمية لا وجود لها . وإلاّ كيف لنا أن نفسر عجز الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا عن توفير أبسط مستلزمات الحياة من مياه صالحة للشرب ودواء وغذاء وكهرباء عصب الحياة المعاصرة , على الرغم من هدر مليارات الدولارات على مشاريع فاشلة وبعضها مشاريع وهمية .

تقدر نسبة الفقر في العراق نحو ( 24.8% ) وفق آخر دراسة أجرتها وزارة التخطيط العراقية بالتعاون مع البنك الدولي، في النصف الثاني من عام 2020، وهذا يعني أن نحو( 10 ) ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، حسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي .وأوضح الهنداوي أن محافظات الجنوب ما تزال تتصدر معدلات الفقر، وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة( 52%) من إجمالي عدد سكان المحافظة ، وتليها محافظة الديوانية (49%)، وذي قار (ـ48%)، ثم تأتي بقية المحافظات تباعا بنسب مختلفة . وبلغت نسبة الفقر في العاصمة بغداد( 13%)، وفي إقليم كردستان( 12.5%)، أما في محافظات الوسط فتصل نسبة الفقر إلى (18%) .

كان العراق يعد من البلدان الأولى عالميًا بمستوى التعليم لغاية ثمانينيات القرن الماضي وفقًا لتصنيفات منظمة اليونسكو العالمية، إلا أن المنظمة ذاتها حدثت تصنيفاتها لتضعه ضمن أكثر البلدان التي تعاني صعودًا كبيرًا في نسب الأمية يتجاوز( 47% ) للأعمار بين ( 6 -55 عامًا)، كما لا توجد في العراق ضوابط معينة تلزم الأهالي بإدخال أطفالهم إلى المدارس ودور التعليم المختلفة.

يمتلك العراق قوى عاملة شابّة، قادرة على استثمار طاقاتها في إطار أي عمليّة نهوض اقتصادي. فأرقام مسح القوى العاملة تشير إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين( 15 و25 ) سنة، يمثّلون نحو( 64% ) من إجمالي السكّان. كما يمتلك العراق قطاعا أكاديميا فاعلا، قادرا على لعب دور كبير في تطوير قدرات ومهارات القوّة العاملة في البلاد لو أحسن تنظيمه .

فهل يعقل أن بلدا مثل العراق بهذه القدرات البشرية والموارد الطبيعية والأرث الحضاري الذي يمتد آلاف السنين , وأحد أول البدان النامية التي نالت إستقلالها من الإستعمار في مطلع عقد الثلاثينيات من القرن المنصرم , حيث نال العراق عضوية عصبة الأمم عام 1932 , وكان عضوا مؤسسا لهيئة الأمم المتحدة عام 1945 , بينما كانت معظم دول ىسيا وأفريقيا وبعض دول أمريكا الجنوبية ترزح تحت وطأة الإستعمار , فالهند وباكستان وأندونيسيا مثلا لم تنل إستقلالها إلاّ في أواخر الأربعينيات من القرن المنصرم , وماليزيا في مطلع عقد السبيعنيات , ودول أخرى كثيرة ,بينما هي الآن أكثر رقيا وتقدما من العراق بأشواط بعيدة في جميع المجالات , وبعضها باتت قوى إقليمية إقتصادية وعسكرية يحسب لها ألف حساب مثل الهند مثلا, وحتى الدول العربية التي إستقلت في عقد الستينيات وبعضها في عقد السبعينيات من القرن المنصرم , وبعضها كان يتلقى عونا ومساعدات من العراق , هي الأخرى قد تقدمت على العراق كثيرا , وبات بعضها يلعب دورا في الشأن العراقي .

أين يكمن الخلل يا ترى ؟ في الشعب أم الحكومة أم في كلاهما ؟ أم أنه مجرد سوء طالع والأرجح سوء إدارة , أو كبوة يمربها العراق ويجتازها كما يروج البعض , فمسيرة الديمقراطية التي حلت بركاتها على العراق ورست مراكبها فيه بعد طول عناء , سيجني الشعب ثمارها بمجرد الصير الذي نتمنى أن لا يكون كصبر نبي الله أيوب .

داخل حسن جريو – أكاديمي

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الشاب الذي هزم فرنسا… وطرد الفرنكفونية

ظلّ طيف من الأدباء والمثقفين العرب يتغنّى طوال حياته بانتمائه للثقافة الفرنكفونية. أعرف روائيًا مصريًا لم يكمل تعليمه الثانوي بقي يردّد حتى مماته أنه ابن الثقافة الفرنكفونية البار، رغم أنه لا يستطيع أن يتحدّث جملتين باللغة الفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
29 × 7 =