تطور المناخ في الجزائر وآثاره

في المغرب العربي، وتحديداً في الجزائر، يُظهِر تغير المناخ الأخير أن الاحتباس الحراري أكبر من المتوسط ​​العالمي. إذا كان ارتفاع درجة الحرارة على المستوى العالمي في القرن العشرين هو 0.74 درجة مئوية، فإنه في المغرب الكبير بين 1.5 و2 درجة مئوية حسب المنطقة، أي أكثر من ضعف متوسط ​​الارتفاع العالمي.

على الرغم من أن حصة الجزائر من التسبب بظاهرة التغيرات المناخية هي من بين الأضعف، إن تحدثنا عن المسؤولية التاريخية، وبالنظر إلى الحجم النسبي للغازات الدفيئة ( (GHGالصادرة عنها، إلا أنها في مقابل ذلك (وعلى غرار سائر الدول النامية) من أكثر الاماكن قابلية للتأثر بهذه الأخيرة، بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعل منها واحدة من 24 “بقعة ساخنة” هي الأكثر عرضة لتغير المناخ حسب “اللجنة الحكومية الدولية للخبراء الدوليين حول تغير المناخ” (1).

جغرافياً، الجزائر دولة شمال أفريقية ومتوسطية تغطي مساحة قدرها 2.381.741 كيلومتر مربع. وهي تتأثر بشكل خاص بظاهرتي التصحر وانجراف التربة. مناخ معظم البلاد جاف الى شبه جاف مع وجود المناخ شبه الرطب في بعض المناطق الشمالية.

تؤثر المعطيات الجغرافية كثيراً على جفاف المناخ حيث ينحصر الشريط الساحلي بتلاله الخصبة على مسافة 150 كلم، تحده السلسلة الجبلية ل”الأطلس التلي” (“الاطلس الصغير”) التي تتلقى أغلب التساقطات القادمة من الشمال وتمنع وصول الرياح الرطبة نحو مناطق الهضاب العليا والجنوب (2).

تطور المناخ في الجزائر

تواجه الجزائر بشكل متزايد الظواهر المناخية المتطرفة (الحادة) التي تزيد شيئاً فشيئاً من هشاشتها. بالإضافة إلى ذلك، أدى تكرار فترات الجفاف، والتي أصبحت أطول، إلى تفاقم ظاهرة التصحر. في الواقع، يعاني أكثر من 50 مليون هكتار حالياً من مستوى متقدم جداً من التصحر (3)، حيث يضطر سكان الارياف الذين يتألفون أساساً من المزارعين ومربي الماشية إلى النزوح إلى المدن الكبيرة لضمان بقائهم. هذا الوضع هو نتيجة مباشرة لتدهور التربة وندرة الموارد المائية في تلك المناطق.

تظهر التحليلات المتعلقة بالتغيرات المناخية الأخيرة أن تأثيراتها باتت ملموسة الآن في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​وأنها تؤدي بشكل متزايد إلى تكرار الظواهر المناخية غير المألوفة والمتطرفة. ويعتبر المجتمع العلمي هذه التغييرات حتمية. بعبارة أخرى، يمكن للجهود العالمية الهادفة للتخفيف من وطأتها أن تقللها جزئياً فقط. في هذه المنطقة ​​، يبلغ متوسط ارتفاع ​​درجات الحرارة السنوي حوالي 1.5 درجة مئوية فوق معدلات ما قبل الثورة الصناعية (1880-1899) (4).

في المغرب العربي، وتحديداً في الجزائر، يُظهِر تغير المناخ الأخير أن الاحتباس الحراري أكبر من المتوسط ​​العالمي. إذا كان ارتفاع درجة الحرارة على المستوى العالمي في القرن العشرين هو 0.74 درجة مئوية، فإنه في المغرب الكبير بين 1.5 و2 درجة مئوية حسب المنطقة، أي أكثر من ضعف متوسط ​​الارتفاع العالمي (5). أما الانخفاض في هطول الأمطار فيتراوح بين 10 و20 في المئة (6). وبذلك تصدرت الجزائر المرتبة 11 عالمياً من حيث ارتفاع درجة الحرارة، ببلوغ متوسط الحرارة فيها نحو 33 درجة مئوية (7). 

تواجه الجزائر بشكل متزايد الظواهر المناخية المتطرفة (الحادة) التي تزيد شيئاً فشيئاً من هشاشتها. أدى تكرار فترات الجفاف، والتي أصبحت أطول، إلى تفاقم ظاهرة التصحر. في الواقع، يعاني أكثر من 50 مليون هكتار حالياً من مستوى متقدم جداً من التصحر، حيث يضطر المزارعين ومربي الماشية إلى النزوح إلى المدن الكبيرة لضمان بقائهم. هذا الوضع هو نتيجة مباشرة لتدهور التربة وندرة الموارد المائية في المناطق الريفية.

أما فيما يخص الأمطار، فتتراوح كميتها السنوية بين 400 و1200 ملم. وهذه الأمطار تكون غير منتظمة، وغالباً ما تكون شديدة ما يسبب انجرافات التربة وترسباتها في أعماق السدود. إن التباين في قياس مستويات الامطار المتساقطة واضح وشديد من الشمال الى المناطق الداخلية للبلاد. حيث، وعلى سبيل المثال، نقيس في قمة “جرجرة” (الشمال الشرقي) ما يصل إلى 1800 ملم في سنوياً بينما في جنوبها، وعلى مسافة أقل من 10 كلم، يتلقى وادي الساحل بالكاد 400 ملم. ثم ان هناك تبايناً آخراً بين المناطق الشرقية للبلاد والمناطق الغربية حيث تمطر أكثر في الشرق من الغرب.

يوضح الشكل 3 تطور هطول الأمطار بين عامي 1926 و2006 في منطقة “وهران” على سبيل المثال، ويسلط الضوء على انخفاض كمية الامطار على مر السنوات بنحو 15 في المئة. كما يُظهر فحص الخرائط التي انجزتها “الوكالة الوطنية للموارد المائية” للفترتين 1942-1989 و1965-2004 أن الجفاف ينتقل (ملم 300 isohyète ) بشكل كبير باتجاه شمال البلاد (8)، مما يمثل أحد مؤشرات تغيرات المناخ في الجزائر.

اما على مستوى الموارد المائية، فقد كشفت دراسة قامت بها “الوكالة الوطنية للموارد المائية” تأثير تغير المناخ على تلك الموارد (5)، بناءً على فحص سلسلة بيانات هطول الأمطار منذ عام 1900، وأوضحت أن هطول الأمطار انخفض بنسبة 40 في المئة في غرب البلاد، و30 في المئة في الوسط، و20 في المئة في الشرق. يعزز تغيرات المناخ أيضاً عدم انتظام هطول الأمطار المكاني والزمني، مما يشكل تهديداً دائماً للتربة والزراعة، ولإعادة امداد المياه الجوفية، والجريان السطحي، وكذا ترسبات التربة على مستوى السدود وبالتالي نقص طاقة استيعابها.

اثار التغيرات المناخية في الجزائر

يعتبر قطاع الموارد المائية الأكثر هشاشة وتعرضاً لتأثير التغيرات المناخية، حيث أفادت وزارة الموارد المائية في بيان لها (9)، بأن “الجزائر تعيش على غرار دول البحر الأبيض المتوسط عجزاً مائياً ناجماً عن التغيرات المناخية التي أثّرت بشكل كبير على الدورات الطبيعية للأمطار”. كما اعتبرت الوزارة أن “الأزمة ناتجة عن تراجع كبير في منسوب مياه السدود في المناطق الوسطى والغربية للبلاد، مع تسجيل نسبة عجز تقدر بـ 25 في المئة من احتياطي السدود” كما صنّف بيان أصدرته وزارة الموارد المائية (10). الجزائر ضمن الدول الفقيرة من حيث المورد المائي بسبب فترات جفاف طويلة ومتكررة، مع عجز في نِسَب التساقطات المطرية. فقد شهدت في السنتين الأخيرتين نقص فادح في المياه بسبب قلة الامطار حيث سبب ذلك في قطع المياه عن السكان واعادة برامج توزيع المياه التي توزع الى الآن كل يومين أو حتى كل ثلاثة أيام حسب المناطق، وحسب مصدر التزويد. كما تم اللجوء الى تعزيز محطات تحلية المياه كمصدر إضافي لتزويد المياه الصالحة للشرب في المناطق الشمالية بعد جفاف أغلب السدود.

انخفض هطول الأمطار بنسبة 40 في المئة في غرب البلاد، و30 في المئة في الوسط، و20 في المئة في الشرق. يعزز تغيرات المناخ أيضاً عدم انتظام هطول الأمطار المكاني والزمني، مما يشكل تهديداً دائماً للتربة والزراعة، ولإعادة امداد المياه الجوفية، والجريان السطحي، وكذا ترسبات التربة على مستوى السدود وبالتالي نقص طاقة استيعابها.

ستؤدي التغيرات المناخية إلى تردي أكثر للصحة بسبب عوامل العدوى المرتبطة بالمناخ والتي تمس أوساط العيش كالماء والهواء اذ يمكن أن يتعمق انتشار الأمراض المتنقلة عبر المياه MTHوالأغذية، كحمى التيفوئيد والملاريا والديزنتاريا والتهاب السحايا وإسهال الأطفال، وهذه الأمراض تتزايد طردياً عبر السنين مع تناقص وفرة المياه كماً ونوعاً في الجزائر.

لم يؤثر هذا الوضع على الموارد السطحية فحسب بل حتى على المياه الجوفية التي عرف منسوبها تراجعاً كبيراً حيث توضح حالة طبقات المياه الجوفية الساحلية الجزائرية والتطورات الأخيرة التي أثرت عليها أن العجز الكبير الملحوظ سوف يتسع بشكل متزايد، بالإضافة إلى آثار التغيرات المناخية الملحوظة بشكل كبير مع عجز في هطول الأمطار يقدر بحوالي 30 في المئة (11).

مسألة الأرض في الجزائر: بين العدالة والنجاعة

أما فيما يخص الأمن الغذائي، فقد أثرت التغيرات المناخية على القطاع الزراعي بشكل عام وأصبحت محسوسة بشكل متزايد ومقلق، لاسيما من خلال تناقص كمية الامطار وتدهور نوعية التربة وتآكل السواحل. فقد أظهرت الأرقام خطورة ذلك بوضوح، حيث يتعرض أكثر من 13 مليون هكتار من الأراضي الى الانجراف، وتخسر ​​الجزائر ما يقارب 400 ألف هكتار سنوياً بسبب هذه الظاهرة. بالإضافة إلى ذلك، عانت الجزائر منذ السبعينيات الفائتة من الجفاف المتكرر مع انخفاض في هطول الأمطار مما تسبب في تعطيل التقويم الزراعي وانخفاض في غلات الحبوب بنسبة تصل إلى 50 في المئة. يتوقع الخبراء زيادة هذا الانخفاض بحلول عام 2040 مع انخفاض متوقع بنسبة 10 إلى 20 في المئة مقارنة بالمستوى المسجل في عام 2011 (12). اضافة الى ذلك استفحلت ظاهرة التصحر بحيث أن زيادة درجة حرارة واحدة من شأنه نقل المنطقة الجرداء بحوالي 100 كلم نحو الشمال (13) وقد أبرز تقرير البنك الدولي ان التصحر في الجزائر يهدد أكثر من 17 مليون هكتار في مناطق السهوب، وهي مناطق محددة مناخياً وجغرافياً بتميزها بوجود سهول المراعي (14).

اما عن الظواهر غير المألوفة وحسب التقرير السابق، فقد شكلت الفيضانات 60 في المئة من الأحداث الكارثية في الجزائر خلال السنوات الـ60 الماضية، ما أثّر على أكثر من 800 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد، مع خسائر اقتصادية تجاوزت 1.5 مليار دولار أميركي، إذ إن فترات التساقط أصبحت أقصر وأغزر مما يتولد عنها أمطاراً طوفانية وسيولاً جارفة. نذكر أهم الفيضانات التالية على سبيل المثال :

-فيضانات بمنطقة “أزازاقا” في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1971، أدت الى موت 40 شخص و18000 منكوب، بالإضافة الى خسائر مادية قدرت ب 27 مليون دينار آنذاك.

-فيضانات بمنطقة “العلمة” ولاية “سطيف” في 1 ايلول/ سبتمبر 1980، أدت الى وفاة 26 شخصاً و9500 منكوباً.

-فيضانات “جيجل” في 29 كانون الاول/ ديسمبر 1984، أودت بحياة 29 شخص وأكثر من 11000 منكوب.

-فيضانات “برج بوعريريج”، حدثت في 23 أيلول/ سبتمبر 1994، وأدت الى موت 16 شخصاً وخسائر قدرت ب 10 مليار دينار جزائري.

-الفيضانات في “باب الواد” بالعاصمة في 10 اشرين الثاني/ نوفمبر 2001، أدت الى وفاة 715 شخصاً و115 مفقوداً، بالإضافة الى خسائر مادية قدرت ب 30 مليار دينار.

-فيضانات مدينة “غرداية” في جنوب الجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 2008، أدت الى وفاة 43 شخصاً ووقوع 86 جريح، وبقي 4 أشخاص في عداد المفقودين.

كما أشارت التقديرات إلى أن عدد العواصف الاستثنائية التي تضرب الجزائر يُمكن أن تزيد بنحو 41 في المئة، مسببة فيضانات وانهيارات أرضية وأضراراً جسيمة.

صورة لفيضانات في العاصمة 2021

يجمع الملاحظون ان صيف 2022 تميز بشدة حرارته على كل منطقة البحر المتوسط مع موجات جفاف طويلة وحرائق غابات مدمّرة. فقد أصبحت حالات الجفاف المتكررة المصاحبة لموجات الحرارة ظاهرة شائعة في العديد من بلدان البحر الأبيض المتوسط ​​وهي مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بعواقب تغير المناخ الذي يهدد النظم البيئية (15).

يعتبر قطاع الموارد المائية الأكثر هشاشة وتعرضاً لتأثير التغيرات المناخية، حيث أفادت وزارة الموارد المائية في بيان لها، بأن “الجزائر تعيش على غرار دول البحر الأبيض المتوسط عجزاً مائياً ناجماً عن التغيرات المناخية التي أثّرت بشكل كبير على الدورات الطبيعية للأمطار”.

يتعرض أكثر من 13 مليون هكتار من الأراضي الى الانجراف، وتخسر ​​الجزائر ما يقارب 400 ألف هكتار سنوياً بسبب هذه الظاهرة. بالإضافة إلى ذلك، عانت الجزائر منذ السبعينيات الفائتة من الجفاف المتكرر مع انخفاض في هطول الأمطار مما تسبب في تعطيل التقويم الزراعي وانخفاض في غلات الحبوب بنسبة تصل إلى 50 في المئة.

اما في الجزائر فقد حذّر تقرير البنك الدولي من أن أكثر من 99 في المئة من المناطق الغنية بالأشجار في الجزائر تواجه خطر نشوب حرائق، ويأخذ دليلاً على المنحنى المتزايد لعدد الحرائق التي انطلقت منذ عام 2010، مع خسائر سنوية تُقدر بما بين 15-19 مليون دولار.

فعلى سبيل المثال وجراء ارتفاع ملفت لدرجات الحرارة، عرفت صائفة سنة2021 حرائق التهمت 89 الف هكتار موزعة على35 ولاية ومخلفة بذلك 90 قتيلاً. اما سنة 2022 فقد اتلفت الحرائق التي مست شرق الجزائر وبالأخص ولاية “الطارف” اكثر من 5670 هكتار من الغطاء النباتي وخلّفت 37 قتيلاً (16)، مع العلم ان ولاية “الطارف” تحوي أكبر محمية طبيعية في الجزائر، وبالاخص في منطقة “القالة” التي تزخر بتنوع إيكولوجي وبيولوجي هائل ومناطق رطبة خلابة تأثرت بدورها بهذه الحرائق…

ليلى بن اسماعين استاذة وباحثة – السفير العربي

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الانتخابات المحلية التونسية أو لزوم ما لا يلزم

الانتخابات المحلية التي شهدتها تونس 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري هي المحطّة الانتخابية الرابعة بعد استفراد الرئيس قيس سعيّد بالحكم يوم 25 يوليو/ تموز 2021، فقد سبقتها الاستشارة الشعبية الإلكترونية والاستفتاء على الدستور يوم 25 يوليو/ تموز 2022 والانتخابات البرلمانية في دورتين يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول من السنة نفسها و29 يناير/ كانون الثاني 2023.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
27 ⁄ 9 =