تركيا وحلم الدولة العثمانية

كتب أحدهم تعليقا عن احدى مقالاتي التي نشرتها مؤخرا يقول ان العرب عاطفيين ولا يعالجون الأمور بعقلانية وبشكل علمي , وفي هذا الكلام الكثير من الصحة , وهذا الكلام ينطبق على تعامل العرب تجاه امور كثيرة في الحياة واهمها القضايا المهمة والجادة التي ترسم سياسات بلادهم وتحدد مستقبلهم.

من بين لكثر القضايا الملفتة للنظر تعامل العرب مع تركيا التي شهدت خلال العقد الاخير نموا انفجاريا على كافة الاصعدة وبالتحديد بعد سقوط صدام حسين وتدمير العراق الذي كان يمثل القوة العربية الوحيدة المتصدية لكل ما يرتكب بحق العرب , اذا ما استثنينا البعض, وهذا النمو الذي بدأ لدى تركيا ارتبط برفض متكرر من قبل الاتحاد الاوربي لعضويتها فيه, وذلك لاعتبارات عديدة , وهنا لابد من الاشارة الى استغلال تركيا للاوضاع المضطربة التي شهدتها المنطقة العربية , من تدمير العراق والى دور ايران الخبيث في المنطقة نزولا الى ثورات الربيع العربي التي لم تنجح سوى في مصر وتونس, بالاضافة الى صنع داعش وزرعه في المنطقة لاثارة المزيد من الفوضى فيها, وو.

لابد من الاعتراف هنا بذكاء تركيا المتمثلة باردوغان الذي يقودها بقوة ويزرع لدى شعبها روح العظمة وضرورة العودة الى تركيا ( الدولة العثمانية) التي كانت تسيطر على معظم دول الوطن العربي , ويقود اردوغان تحديا كبيرا ضد اوربا في محاولة لاثبات ان تركيا ستظل قوية وستشكل قوة لايستهان بها في منطقة الشرق الاوسط سيحسب لها الاوربيون والعالم الف حساب ,وتمثل هذا التحدي والعمل على تحقيق حلم عودة الدولة العثمانية في الشرق الاوسط من خلال طرق عديدة اولها الاستفادة من اسعار النفط العراقي الزهيدة , واغراق السوق العراقي والعربي بمنتجاتها التي لايمكن تصريفها بسهولة خارج تركيا والشرق الاوسط, وفتح ابوابها للعرب للاستثمار والسياحة وشراء العقارات , واغراق المحطات الفضائية العربية بالاعمال الدرامية التركية التي تصور الرفاهية والجمال والحرية والتي يعشقها ويبحث عنها العرب , وفي نفس الوقت فتحت ابوابها للسياحة معقولة الثمن للاوربيين لتظهر لهم انها بلد يسمح بممارسة الحريات الشخصية حتى لو كانت تتعارض مع المعتقد والثقافة الاسلامية ( باعتبار تركيا دولة مسلمة) , وتبنت اكبر عمليات تهريب للبشر عبر اراضيها لاوربا مقابل مليارات الدولارات , من خلال استغلال قربها من اليونان انتقاما من اوربا ومن ثم تحديا لليونان التي لديها صراعا منذ عقود حول الجزر , فضلا عن عمليات غسيل الاموال التي تقودها , كما انها فتحت اراضيها لتدريب الجماعات الارهابية واكثرها شهرة داعش التي كانت ترسل من اراضيها الى العراق وباقي الدول العربية لاستمرار الفوضى فيها, وفي نفس الوقت سمحت لاقامة معسكرات للاجئين السوريين فيها الذي تضرروا بسبب اعمال العنف في سوريا مقابل امتيازات حصلت عليها وليس حبا في مساعدتهم .

ان تركيا تتصرف بذكاء كبير وتلعب دورا مهما وخطيرا في منطقة الشرق الاوسط الذي يخلو من قوة مهمة تحقق الاستقرار فيه بعد تدمير العراق وسوريا واشغال مصر بالمشاكل الداخلية ,انها فعلا الدولة الاكثر ذكاء في المنطقة , ففي الوقت الذي تلعب ايران دورا قذرا توسعيا في المنطقة , تحاول تركيا ان تقدم صورة مثالية للعرب والمسلمين بانها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحافظ على مصالحهم.

ان تركيا ليعلم العرب لايهمها العرب بشيء لانها ليست عربية اولا, وثانيا فهي كالاكراد ليس لها ولاء الا لتركيا و ليس لها حليف او صديق في العالم فحليفها هو من يمنحها المزيد من الامتيازات والنفوذ , فتعاملاتها واضحة مع اسرائيل وروسيا وامريكا والعرب وهي صديقة لاية قوة في العالم ممكن ان تمنحها المزيد من النفوذ والفوائد, من اجل بناء الدولة العثمانية الحديثة , وجعل العرب ينطوون تحتها من جديد بعد ان فقدوا كل قيمة ومثل وامل في التغيير .

لقد استطاعت تركيا وبطرق ووسائل مختلفة ان تكسب ثقة العرب المشتتين , وبعد ان اغلقت ابواب العالم والدول العربية امامهم , واخذت تتدخل بشوؤنهم الداخلية وبمساعدة القوى الدولية , التي اصبحت تنوب عنها في تنفيذ اية عملية في الوطن العربي , وكان اخرها ارسال قوات من الجيش التركي لتدريب الجيش العراقي الذي دمرته امريكا , وصنعت دولة الاحزاب الفاسدة في العراق جيشا ضعيفا ليس لديه انتماء للعراق, ولننتظر المزيد من الامتيازات التي ستحصل عليها تركيا في المنطقة العربية لبناء امبراطورية اتاتورك الجديدة .

اكرام نجم

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟

حبس العالم أنفاسه بعدما أصبح الشرق الأوسط قاب قوسين مما يشبه حربا عالمية ثالثة، قد دفع بالمنطقة لمستقبل غامض. غير أن هجوم الجمهورية الإسلامية ورد الدولة العبرية ظلا لحد الآن في حدود "المتوقع" وفق معلقين ألمان وأوروبيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
42 ⁄ 21 =