كل معزوفة تروي قصصا وأساطير مثل مقطوعة “أوريون”، وهو النجم الذي يستدلّ به سكان الصحراء على طريق الشمال.
أفريقيا قارة الألوان والتنوع والثقافات استمدّت اسمها من الاسم القديم لتونس منذ الفترة الرومانية وهو “أفريقية”. وفي عرض أطلق عليه عنوان “مايد إن أفريكا” (صُنع في أفريقيا) اختار عازف الكمان التونسي زياد الزواري الاحتفاء بتنوع الثقافة التونسية الضاربة في العمق الأفريقي. وقدّم هذا العرض ضمن الدورة الـ58 من مهرجان الحمامات الدولي التي تنعقد في تونس من 5 يوليو الجاري إلى 3 أغسطس المقبل، بعد ثمرة أربع سنوات من الجهد والبحث والعمل.
معانقا كمانه بشغف وحماس وقف زياد الزواري في الجهة الأمامية للركح ليقود مجموعة موسيقية متألفة من 12 عنصرا، وقد تسلّح كلّ منهم بآلته الموسيقية ليأخذ الجمهور في رحلة احتفالية بالموروث التونسي بطابعه الأفريقي، فلم يكن “مايد إن أفريكا” مجرد حفل موسيقي بقدر ما بدا إحياءً للتنوع الفني بكل تفاصيله.
ومع كلّ معزوفة موسيقية يتردّد صدى الألحان والإيقاعات التونسية ذات العمق الأفريقي كإشادة نابضة بمظاهر الحياة والتنوع، ولكنها أيضا موسيقى تخترق كل الحدود والحواجز وترسم آفاقا واسعة للموسيقى التونسية ضمن موسيقات العالم اللامحدودة.
وقد أوجد زياد الزواري الخيط الناظم لهذه النوتات الموسيقية، فأدمج الأنماط التونسية كالمالوف والحضرة ونمط الأفرو جاز، وبرع في أدائها عازفون على آلات إيقاعية كالبندير والطبل التونسي والطبل الأفريقي والباتري، وآلات وترية هي الغيتار و”الباص” والكمنجة بمعازفها الحزينة والعاطفية، صاحبتها أصوات وآهات الكورال.
وأبرز زياد الزواري أنه عازف ماهر على كمانه كما ألفه الجمهور، ينزلق بقوس كمنجته على الأوتار مصدرا ألحانا سريعة، وبين الحين والآخر يتخلى عن قوسه وينقر الأوتار بأنامله في تناغم مستمر مع روح الموسيقى الأفريقية وطابعها الاحتفالي.
مع كلّ معزوفة موسيقية يتردّد صدى الألحان والإيقاعات التونسية ذات العمق الأفريقي كإشادة نابضة بمظاهر الحياة والتنوع
وأغدق على جمهوره في “مايد إن أفريكا” موسيقى بلا حدود على مدى 90 دقيقة، عزفت خلالها مجموعته 13 مقطعا موسيقيا ظاهرها احتفاليّ وباطنها وجع ومعاناة، وكل معزوفة موسيقية منها تروي قصصا وأساطير على غرار مقطوعة “أوريون”، وهو النجم الذي يستدلّ به سكان الصحراء على طريق الشمال، أو “بسكلتي” التي تهتمّ بالقضايا الإيكولوجية، و”أصبهان” نسبة إلى طبع الأصبهان، وهو من المقامات التونسية ويحمل نفَسا أفريقيا، بحسب زياد الزواري.
وصمّم الزواري لنفسه أسلوبا موسيقيا مبتكرا يتجاوز طابعه الاحتفالي، وليذكر به الجمهور بالقضايا الإنسانية السامية كحقوق الإنسان والعدالة والحرية، وهو يدعو إلى الوحدة والسلام ويدافع عن ثقافة التنوع والاختلاف والقبول بالآخر والتعايش الإنساني المشترك بعيدا عن الكراهية والعنف.
ولد زياد الزواري في تونس عام 1983 في عائلة مولعة بالموسيقى، وبدأ العزف على الكمان في سن مبكرة جدا وسرعان ما بدت عليه علامات التفوق، حيث فاز بالجائزة الأولى للأطفال المؤدين بتونس في عام 1996، والميدالية الذهبية للفنانين الشبان المبدعين في مهرجان الكرم عام 1997. كما مثّل تونس في اللقاء الأول للموسيقيين الشبان العرب في دبي، حيث أحرز الميدالية الذهبية عام 1998.
بدأ مسيرته المهنية في عام 1999 عازفا ضمن فرقة المطرب اللبناني وديع الصافي، وبعد أن تسلح بنصيب وافر من التدريب النظري والعملي في المجال الموسيقي، سافر إلى باريس في عام 2006 حيث احتك بجمع من الموسيقيين من مختلف الخلفيات وعزف مع عدد من المشاهير مثل سيلفان لوك وبويان زاد ونزار روحانا والشاب خالد، وفي باريس أيضا التقى عازف الإيقاع التونسي عماد العليبي. وقد ساعده في إنتاج وتأليف وتوضيب ألبوم “سفر” وذلك بالتعاون مع جاستن آدمز.
كما أحيا الزواري جملة من العروض للعزف المنفرد على الكمان ضمن مهرجان قرطاج الدولي وبمعهد العالم العربي وفي قاعة “زينيث” وفي مسرح الشانزليزيه وفي مسرح مدينة باريس.
المصدر: العرب اللندنية + ميادين