الانتخابات الفرنسية.. كلمة السر.. وماكرون يستبعد تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد نكسة الانتخابات التشريعية

استبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال خطاب إلى الأمة مساء الأربعاء تشكيل حكومة وحدة وطنية في أعقاب النكسة التي سجلها في الانتخابات التشريعية والتي خسر فيها الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية. ودعا في الوقت نفسه إلى تشكيل أغلبية.

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الأربعاء في خطاب للأمة إنه يرفض تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد أن فشل تحالفه “معا” في كسب الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد.

وأعلن ماكرون أن المعارضة أشارت إلى استعدادها للعمل مع حكومته بشأن “مواضيع رئيسية” مثل كلفة المعيشة والوظائف والطاقة والمناخ والصحة. ودعا في الوقت ذاته إلى تشكيل أغلبية في الجمعية الوطنية الجديدة لتجنب الجمود السياسي.

وقال ماكرون “لا يمكنني تجاهل الانقسامات، الانقسامات العميقة التي تعم بلادنا والتي يعكسها تشكيل الجمعية الوطنية الجديدة.علينا أن نوضح خلال الأيام القليلة القادمة حجم المسؤولية والتعاون الذي يمكن أن تقبله التشكيلات المختلفة في الجمعية الوطنية”.

وأضاف الرئيس الفرنسي أنه بينما سيقضي اليومين المقبلين في قمة للاتحاد الأوروبي، فإن الأمر متروك لقادة الأحزاب السياسية ليقولوا “إلى أي مدى هم على استعداد للمضي قدما”.

كل المصطلحات المناخية كانت حاضرة اول امس في وصف نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية في دورتها الثانية و النهائية و قد ذهب المعلقون الفرنسيون الى وصفها بالزلزال السياسي و التسونامي الجارف و البعض اعتبرها صفعة حادة يتلقاها الرئيس ماكرون بعد شهرين على اعادة انتخابه …الواضح أن اغلب استطلاعات الرأي لم تتوقع هذه النتائج التي تترك الائتلاف الحاكم “معا” بزعامة الرئيس ماكرون في وضع معقد و سيحتاج مستقبلا الى استعادة مختلف الوصفات العلاجية التي تسللت الى المشهد السياسي في بلادنا على مدى العقد الماضي لتحقيق التوافق او التحالف المنشود بين مختلف الاحزاب التونسية للخروج من عنق الزجاجة …

ندرك أن المقارنة لا تجوز بين المشهدين و لكن الواضح أن الرئيس ماكرون بات في وضع لا يحسد عليه و هو الواقع بين زعيم اليسار الراديكالي ميلونشون و زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بما سيجعله و حكومته أمام معارضة قد يكون من الصعب لجمها و ربما سيتعين عليه اما القبول بتنازلات كبيرة او ربما البحث عن تحالفات قد لا تكون قابلة للتعايش والاستقرار على المدى الطويل أو ربما الذهاب لاحقا الى انتخابات سابقة لاوانها …

كلمة السر تأتينا اليوم من فرنسا على وقع نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي ستعمق التحولات الحاصلة في الخارطة السياسية الفرنسية و التي ما انفكت تتعمق منذ الانتخابات الرئاسية ثم التشريعية نهاية الاسبوع المنقضي في مشهد غير مسبوق بكل ما يحتمله من اكراهات سيتعين على الرئيس ماكرون التعاطي معها بعد شهرين فقط على اعادة انتخابه رئيسا للبلاد و تعويله على تنفيذ برنامجه الاصلاحي الذي سبق و قدمه للناخبين خلال الحملة الرئاسية..

من اليمين الى اليمين المتطرف الى اليسار و اليسار الراديكالي تبقى القاعدة الاكثر وضوحا التي يتعين على كل من اختار اقتحام عالم السياسية و تحقيق نتائج ملموسة معرفتها أن توحيد الصفوف و وضوح الاهداف و الافكار تبقى كلمة السر للعبور و الفوز باصوات الناخبين .. ليس هناك سر..وحدة الصف تصنع التحولات السياسية..

لم تكن راشيل كيك عاملة النظافة القادمة من الكوت ديفوار التي فازت على روكسانا ماراسيننو، الوزيرة السابقة مرشحة حزب الرئيس إيمانويل ماكرون في السباق التشريعي الى قصر بوربون و التي ترشحت باسم “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” الذي يتزعمه جان لوك ميلنشون بمقعدها في منطقة “فال دو مارن” في ضواحي باريس المفاجأة الوحيدة التي سيتعين على حزب ماكرون التعاطي معها في الواقع الجديد الذي سيكون اشبه بالرمال المتحركة …فقد تحولت حكاية العاملة التي باتت نائبة للشعب وستجلس في البرلمان الفرنسي في اول جلسة له غدا الاربعاء الى واحدة من حكايات كثيرة عن تحولات غير مسبوقة في المشهد السياسي الفرنسي ..راشيل كيك التي تقترب من عقدها الخامس خاضت حملة سياسية نجحت خلالها في استقطاب الناخبين و كسبت ثقة و تاييد شريحة واسعة من اليسار العائد من غياهب النسيان ..دفاعها عن مثيلاتها من عاملات النظافة في الفنادق و نجاحها في خوض حملة الترفيع في اجورهن جعلها تحظى بما لم يحظى به غيرها من المترشحين ممن خبروا عالم السياسة و تفوز بورقة العبور الى الجمعية الوطنية ..من الواضح ان ميلونشون راهن على استعادة و احياء كلمة السر مفتاح النجاح في المعارك السياسية و الديبلوماسية و هي بالتاكيد جمع الصفوف و تعزيز المواقع و هو ما حرص عليه بعد نتائج الانتخابات الرئاسية التي حظي فيها بالمرتبة الثانية ..و هو ما دفعه الى ضم عدة احزاب الى حزبه “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد و بينها “فرنسا الأبية” والحزب الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الشيوعي، إضافة إلى جمعيات سياسية واجتماعية أخرى تشترك في الدفاع عن نفس القيم الاشتراكية و مبادئ العدالة الاجتماعية …

اول الملاحظات الصادرة عن رئيسة وزراء فرنسا أن نتيجة الانتخابات “خطر” على البلاد و هذا ما يتعين التوقف عنده , و الارجح أن الصورة لن تكتمل قبل الدخول في لعبة مفاوضات و حسابات وتنازلات من كل الاطراف المعنية بالتحالف المرتقب ….و هو ما يعني و ان الدستور الفرنسي الذي يعتبر مرجعا في مختلف الديموقراطيات الناشئة و التجارب الانتقالية لم يكن ليمنح فرنسا الحصانة او يمنع مثل هذا السيناريو الملغم في المشهد السياسي الفرنسي المتازم بعد ان فقدت الاحزاب التقليدية الجمهورية الوسطية التي هيمنت على المشهد طوال عقود مصداقيتها ومكانتها وقدرتها على الاستئثار بثقة الناخب ..و لا شك ان في نسبة عزوف الناخبين عن المشاركة في هذه الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية الماراطونية و التي تجاوزت ال54 بالمائة والاكيد ان موسم القيظ غير المسبوق ايضا ليس السبب الوحيد للمقاطعة والعزوف عن المشاركة والاكيد ايضا ان الظاهرة تستحق تقييما عميقا و تحليلا دقيقا من الخبراء و المختصين في علم الاجتماع و السياسة لفهم الترسبات و تداعيات هذا العزوف الذي قد تختلف اسبابه و لكنها تظل مرتبطة بفشل النخب السياسية في استقطاب الناخبين و عجزها عن تحقيق الحد الادنى من وعودها و شعاراتهاالتي ترافق الحملات الانتخابية …

بلغة الارقام فان نتائج الانتخابات التشريعية لم تمنح الاغلبية لاي حزب من الاحزاب و لم يحظى حزب ماكرون باكثر من 245 و هيدون ما كان يتطلع للفوز به ..والارجح أن الاكثر انتشاء بنتائج الانتخابات هي زعيمة اليمين المتطرف لوبان التي تمكنت من الفوز ب89 مقعدا نتيجة غير مسبوقة في تاريخ اليمين المتطرف في فرنسا و لكنها تعزز تقدم و توسع ظهور اليمين المتطرف في اوروبا ..

كيف سيتعاطي ماكرون مع هذه النتائج و الى أي مدى سيتمكن من المناورة وهل سيحتذي ماكرون بالمستشارة الالمانية السابقة انجيلا ميركل لتشكيل تحالف قابل للتعايش و ضمان الحد الادنى من الاستقرار؟

الاكيد أن المشهد جدير بالمتابعة لاستقراء ما ستؤول اليه الاحداث و فهم خيارات رئيس الفرنسي الذي شغلته تداعيات الحرب الروسية في اوكرانيا و هو الذي سيجد نفسه أمام خيارات احلاها مر لضمان التوافقات التي يحتاجها لإنقاذ مشروعه الاصلاحي بعد سنتين على جائحة كورونا و لكن ايضا مع تعقيدات الحرب الروسية في اوكرانيا و تداعياتها الاقتصادية على الحياة اليومية للفرنسيين…

اسيا العتروس – كاتبة تونسية + ميادين

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

“مايد إن أفريكا” لوحة موسيقية أفريقية يقودها التونسي زياد الزواري.. فيديو

أفريقيا قارة الألوان والتنوع والثقافات استمدّت اسمها من الاسم القديم لتونس منذ الفترة الرومانية وهو “أفريقية”. وفي عرض أطلق عليه عنوان “مايد إن أفريكا” (صُنع في أفريقيا) اختار عازف الكمان التونسي زياد الزواري الاحتفاء بتنوع الثقافة التونسية الضاربة في العمق الأفريقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
52 ⁄ 26 =