أزمة مدارس القدس المتفاقمة: مدرسة الجيروساليم مجرد حبل عالجرار

بدأ العام الدراسي بأزمات متلاحقة لمدارس القدس: المنهاج الإسرائيلي الذي يتم فرضه على المدارس الخاصة عنوة او كما يدس السم في الزبد لا يهم . الحقيقة الاكيدة ان ما كان يجري على مدار اكثر من عقدين من الزمن منذ تهاوي المدارس غير التابعة لوزارة المعارف الاسرائيليه نحو صندوق المعونات والمخصصات من قبل بلدية الاحتلال ووزارة المعارف وصار الطالب مخصصا ماليا شهريا تقوم المدارس الخاصة باختلافاتها عليه، كان لا بد من التأكد ان هذا اليوم قادم. فتحولت معظم المدارس الى جيب التحكم الاسرائيلي اسوة بالمدارس التابعة أصلا الى المعارف الاسرائيليه. فتحول الاستثناء الى عام، و صار ما كان هو القاعدة استثناءاً.

بينما نقف امام انهيار متسارع للمنظومات المكونة للمجتمع الفلسطيني، تبقى المدارس مكانا يمكن العمل من خلاله من اجل حماية ما تبقى من امل لتنشئة هذا الجيل لربما تحسن الحال ذات يوم. لأن الامر قد حسم بالفعل. كل من قبل ان يحصل على مخصصات من البلدية والمعارف وغيرها من توابع سلطة الاحتلال كان يعرف جيدا ان هذا اليوم سيأتي. والمسؤولية هنا جمعية: مسؤولية على السلطة الفلسطينية التي تركت المدارس تبلع تباعا الى بطن الاحتلال، ومسؤولية مدراء المدارس، الخاصة تحديدا والتي لم تكن بحاجة الى هذه المساعدات لتبقى بالضروررة، والاهل الذين قبلوا بهذا الوضع على مدار السنوات. فصار المعيار الإسرائيلي هو الحاكم الفعلي لعمل المدارس في القدس بمعظمها من حيث المخصصات والمعاشات والوسائل التعليمية. ليس هذا فقط، صار المعيار الإسرائيلي أداة استقواء بيد الاهل والطلاب ضد المدارس.

من السهل علينا الخروج بمظاهرات ورفض ما نرفضه، ولكن الحقيقة أخرى.

الحقيقة اننا يجب ان نتحمل تبعات ما قبلناه قبل فوات الأمان. فعلى الرغم من سوداوية الوضع وقتامته، الا اننا لا نزال امام فرصة الاستفادة مما هو متاح . حيث تستثمر بلدية الاحتلال ونظامها بالتعليم من حيث الخدمات بين مباني ووسائل وطاقم تعليمي وتدريبات بطريقة ملفتة للنظر ومتفوقة. فلم لا نستخدم حقنا باستخدام ما هو من حقنا؟ لم يجب على الاهل دفع الاف الدولارات سنويا من اجل مدارس خاصة تأخذ مخصصات من بلدية الاحتلال في وقت تغطي البلدية مصاريف الطلاب لتلقي خدمات تدفع للمدارس من قبل الاهل والحكومة وغيرها؟

هنا يأتي دور الاهل في كل ما يجري.

قد يكون ما حدث في مدرسة الجيروزاليم مهما على اكثر من صعيد.

من السهل الوقوف والقول ان ما جرى كان متوقعا، فما يجري من تواجد المنظومة العسكرية بالمدرسة منذ شرائها من قبل شخص له علاقات واضحة وصريحة بالمنظومة العسكرية الإسرائيلية كان الحديث بشأنه متداولا. ربما أخرجت المدرسة حينها من مطب مالي اودى الى اغلاقها تقريبا، وخرجت من فخ المدير السابق صاحب النزعة الصهيونية الواضحة الى مدير برتبة عسكرية. وربما وجود مجلس أولياء أمور مكون من الأهالي مهم في هذا الوضع كما يجب ان يكون في كل مدرسة، لوضع الضغط اللازم على إدارة المدرسة ومحاسبتها دوما.

لقد مررنا بالعديد من التجارب الصعبة في المدارس، استطاع أولياء الأمور من خلالها صناعة التغيير وفرض ما هو افضل للابناء بما يتناسب مع بيئة المجتمع العامة في معظم الأحيان.

من ناحية، وعلي الرغم من فظاعة المشهد، بتعيين رجل عسكري كمدير مدرسة يرتادها أبناء مدينة محتلة. فإن ردة فعل الاهل على الامر مهمة للغاية. فكان للاهل دور مهم قبل سنوات عند الاعتراض على ما كان يدسّ للطلاب من معلومات بالمنهاج. وهذه المرة كان دور الاهل مهما لا يمكن الاستهانة به، فتعليق الدوام حتى البت في امر المدير الجديد واستجابة الإدارة لمطلب الاهل بتجميد التعيين حتى الغائه مهم جدا.

من السهل ان ننظر من الخارج ونصب جماح غضبنا على المدرسة وعلي الاهل والقول بصوت واحد: لم ترسلون ابناءكم الى هذه المدارس؟ ولكن الجواب أصعب من وضع سؤال مباشر بهذه السهولة. فأزمة المدارس بالقدس كانت ولا تزال كبيرة متفاقمة بازدياد اعداد الطلاب وانهيار المنظومة السلطوية الفلسطينية التي تركت سكان المدينة وحيدين يجابهون حياتهم في نضال فردي. فلم يعد المواطن يعرف ما هي وجهته: يقاوم السلطات الإسرائيلية بكل ما تقدمه من دسائس ممكنة لتهشيم ما تبقى منا كشعب؟ ام الانبطاح والاستسلام والمشي مع الركب من اجل البقاء؟

ربما حان الوقت لنساوم من اجل ما هو لنا وان نبدأ بالتعلم والاستفادة مما جرى وما يجري.

ربما نستطيع كأولياء أمور اليوم، سواء في مدرسة خاصة او بلدية وضع ما نريده لأبنائنا، ليس فقط المناهج، ولكن من يعلم ابناءنا؟

قبل محاربة المناهج يجب علينا التوقف امام من يعلم ابناءنا، لماذا يجب ان يكون مدير المدرسة درزيا او من مدن الداخل؟ وانا هنا لا أحاول وضع تعابير عنصرية ولا أهدف الى التفرقة بين أبناء الشعب الاصيلين، ولكن، لماذا لا نرى مدراء\مديرات من اهل المدينة في اغلب الأحيان؟ بالعادة لا موقف عندي ضد الدروز، فبينهم الأفضل والاشد وطنية، وقد يكون بعضهم مثالا مهما بالتعليم كمدير مدرسة ابداع الذي يبدع في ادارته للمدرسة. ولكن بينهم الضباط والعسكريون. وهؤلاء يمثلون الخطر الأكبر بوعي المواطنين الفلسطينيين أينما كانوا. فكيف إذا ما كان هذا المدير ضابطا عسكريا سابقا؟

نحن امام الخطر الأكبر، وأتمنى لو تبدأ مواجهتنا الحقيقية بإنقاذ أبنائنا مما هو قادم من مخطط الاحتلال ضدنا من خلال التعليم، بوضع مطالبنا الأهم، وهي المساءلة والمتابعة والمشاركة الفاعلة في لجان أولياء الأمور بالمدارس تبدأ بالتعيينات وتستمر لتكون عملا دؤوبا ما بين المدرسة والبيت من اجل التأكد اننا امام مسيرة تعليمية حقة ومناسبة لتنشئتنا المجتمعية بكافة مكوناتها. وربما علينا التوقف اكثر والتفكر ان الإنجاز ليس علماً فلسطينياً مرفوعاً ولا نشيداً ولا دبكة. الإنجاز في الاستمرار بالعمل على التأكد ان هوية أطفالنا لن تمسخ بين ايحاءات التعليم والكلمات بين مواضع العبارات والمواضيع.

فما تقدمه المعارف والبلدية من وسائل وخدمات لا يشكل أي أهمية في الحقيقة مقابل من يتم تعيينه ليكون مديرا على المدرسة. وكما حصل في مدرسة الجيروساليم عندما قرر الاهل صناعة التغيير

ربما تكمن الفرصة امامنا لنحوّل المدارس التابعة للمعارف الإسرائيلية لمدارس تلبي احتياجات أبنائنا من تعليم نرقى به، فنحن وابناءنا أولى بهذه الأموال التي يتم هدرها بالمدارس ولم نعد نجد لا تعليم ولا تربية. فلا المدارس الخاصة تلبي تطلعاتنا كأهل لتساهم في التربية والتعليم ولا المدارس البلدية. فلم لا نستثمر بهذه المدارس ونضع احتياجات أبنائنا امام التزامات هذه المدارس؟

ما يجري من أسرلة واستحواذ رسمي على المؤسسات التعليمية لم يعد بإمكاننا مقاومته، لأننا سلمنا له طوعا منذ رضينا وقبلنا وذهبنا بكامل ارادتنا للمؤسسة الرسمية الإسرائيلية. ما نستطيع فعله اليوم ان نشكل لجان أولياء أمور فاعلة في كل مدرسة، تقوم بعملها علي أساس الحق في التعليم والخدمات وما هو افضل للأبناء.

واختم بقول المتنبي :

اذا كنتَ ترضى أن تعيش بذلةٍ فلا تسعدنَّ الحُسامَ اليمانيا..

فلا ينفعُ الأسدَ الحياءُ من الطَّوى..ولا تُتقى حتى تكونَ ضواريا

نادية حرحش – باحثة، كاتبة وناشطة

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الشاب الذي هزم فرنسا… وطرد الفرنكفونية

ظلّ طيف من الأدباء والمثقفين العرب يتغنّى طوال حياته بانتمائه للثقافة الفرنكفونية. أعرف روائيًا مصريًا لم يكمل تعليمه الثانوي بقي يردّد حتى مماته أنه ابن الثقافة الفرنكفونية البار، رغم أنه لا يستطيع أن يتحدّث جملتين باللغة الفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
52 ⁄ 26 =