قد تسمع صوت الآذان أو ترتيل القرآن في كثير من الزوايا أو حلقات الذكر والإنشاد خلال شهر الصيام في بعض من شوارع العالم الإسلامي.
وبين هذه الأصوات لا تكاد تُسمع أصوات النساء إلا همسا بين أصوات الرجال المجلجلة.
بحثنا عن أصوات المنشدات الصوفيات المعروفات حول العالم، وتحدثنا إليهن عن تجربتهن وكيف استطعن المزج بين معتقداتهن وثقافة بلادهن، وحتى أنوثتهن في مجال يغلب عليه الرجال.
من الغناء التقليدي إلى الإنشاد الصوفي
المنشدة عايدة الأيوبي
بدأنا من القاهرة، وذهبنا لمقابلة المنشدة، عايدة الأيوبي، التي ذاع صيتها في بداية التسعينيات لكنها ابتعدت عن الأضواء لسنوات ثم عادت إليها في حلة جديدة.
تقول الأيوبي:”بعد أن عدت للغناء كنتُ أهاب المسرح والجمهور، وخصوصا هؤلاء الذين لم يعتادوا الاستماع للإنشاد، فكنت أبدأ بالأغاني التي يعرفونها، ثم أبدأ في الإنشاد فأجدهم منسجمين معي ثم نختتم بالأغاني القديمة”.
وتقول الأيوبي إن مهمة المداح هي أن يأخذ الجمهور – أو يخطفه على حد تعبيرها- إلى عالم آخر، ليشعر أنه قريب من مكان مثل المسجد النبوي بالمدينة المنورة.
“عندما نقول (نحن في ساحة الحسين نزلنا) أشعر أني أنقل الجمهور -حرفيا- إلى ساحة مسجد الإمام الحسين في القاهرة القديمة. هذا المكان بالنسبة لي هو موطني الذي أحب الجلوس فيه، وأحيانا أبدأ في الإنشاد هناك بشكل عفوي فأجد شابا يكمل الشطر، وتردد الناس معنا”.
سألتُ الأيوبي: ما العوائق التي تواجه النساء اللاتي يردن احتراف الإنشاد الديني في مصر؟ فأجابت:
“هذا النوع من الفن يتطلب طاقة عالية وتدريبا للصوت والبطن لذلك قليلا ما يقف المبتهلون أثناء قراءة القرآن، وهو أمر قد يكون أسهل للرجال عن النساء. كما أن الالتزامات العائلية على النساء تجعل فرصهن أقل في الالتزام بالتدريب”.
وترى الأيوبي أن قوة الصوت أمر ثانوي سواء كان المنشد رجلا أو امرأة، فالأصل هو أن يكون المنشد محبا لما يقول ومؤمنا به، “وهنا يفيض ما في قلبه على الجمهور”، على حد وصفها.
تُمسك عايدة بآلة العود الخاصة بها، التي نقش عليها اسمها، وتدندن:
“كل حسن في البرايا فهو منسوب إليك، لستَ تدري ما الذي قد حل بي من مقلتيك”.
“ملكة الغناء الصوفي”
تكاد المنشدة الباكستانية، عابدة پروين، أن تكون الأشهر عالميا على الإطلاق في هذا المجال، فهي ابنة مقاطعة “السند” الستينية التي بدأ شغفها بالشعر الصوفي منذ كانت في الثالثة من عمرها.
“تأثرتُ بأبي الذي كان يُدَرس الموسيقى الصوفية والكلاسيكية في مدرسته الخاصة، لكن بالتأكيد خالقي هو الذي وضع هذا الشغف في قلبي”، هكذا تقول پروين.
قيل عنها إنها “ملكة الموسيقى الصوفية”، كما قال من قابلها من الصحفيين الأجانب إن “مقابلتها كمقابلة البابا” لما يظهر عليها من هيبة ووقار.
ورغم كل التوقعات، قابلتنا بكثير من اللطف والترحاب إذ جلست هادئة مبتسمة في مجلس بسيط ببيتها، وتركت أولادها ينسقون تقنيات المقابلة على تطبيق “زووم”.
تضيف پروين أن “هذا الشكل من الفن نستلهمه من الإنسانية بأكملها، و نستخدمه كذلك للدعاء لكل البشر، ولا يهم كثيرا في أي وقت من السنة يكون. في شهر رمضان المبارك، نقرأ الشعر الصوفي بمحبة مثل سائر الأوقات الأخرى”.
هذه النظرة المتجردة من اعتبارات الزمن تنطبق على نظرة بروين لكثير من الأمور، فحتى في نظرتها لمسألة غناء السيدات، لم تعر كثيرا من الأهمية للفروق بين الجنسين، وقالت:
“عند الحديث على المستوى الروحي الصوفي، فإن الاختلافات بين الجنسين ليست ذات قيمة تذكر .. الإيمان القوي بالتصوف الإسلامي والشعر الصوفي والموسيقى يكسر كل الحواجز المجتمعية”.
وحتى في الغناء نفسه، تعيد بروين إحياء نوع من الغناء الصوفي التراثي يسمى بال”سارجام” الذي يعتمد على الصوت بدون الكلمات، في إشارة إلى ضيق العبارة في التعبير عن المعنى.
وتقول پروين “هناك بعض الأبيات الشعرية في الموسيقى الصوفية لها تأثير يصعب وصفه بالكلمات حيث أشعر بوجد لا يمكن وصفه”.
الدمج بين دين من الشرق وثقافة من الغرب
في بريطانيا، عاشت مدينة وايتمان التي ولدت لأبوين اعتنقا الإسلام في شبابهما وأرادا أن يجدا البلد التي يمكن أن تجمع بين الثقافة الغربية ومعتقدهما الديني.
تقول وايتمان إنه “كان علي دائما أن أبذل جهدا لإدماج الجوانب المختلفة من هويتي..وأنا أعتقد أن هذه هي غاية الحياة أن تعرف من أنت وإلى ماذا تنتمي”.
تقيم وايتمان حاليا في جنوب إسبانيا، حيث تمتلئ أركان مدينة غرناطة بآثار كبار شعراء الصوفية الأندلسيين، ومن هنا بدأت في ابتكار لون جديد من الإنشاد، تلحن فيه القصائد الصوفية التي تناسب معتقدها الإسلامي، بألحان تناسب الذوق الغربي الذي نشأت فيه.
تقول وايتمان إن الإسلام بالنسبة لها يعبر عن الحقيقة لذلك “يجب أن أكون صادقة ولا أدعي أن أكون شخصا آخر و أدعي الانتماء لثقافة لم أنشأ فيها”، على حد وصفها.
وعن الغناء في رمضان، ختمت مدينة حديثها معنا قائلة: الصيام يجعلك أكثر استعدادا لاستقبال الجمال فيأخذك إلى حالة وجدانية أخرى تستطيع أن تستقبل فيها تدفق المشاعر.
بعد الحديث مع المنشدات الثلاثة يمكنك أن ترى بوضوح أنه بالرغم من الاختلافات الثقافية أو الفنية إلا أن الدافع وراء ما يقدمونه واحد.
المصدر: بي بي سي نيوز