مؤيدو الإخوان وجدوا في الأزمات الجديدة فرصة لإحياء خطابهم السياسي الذي كاد يختفي أمام التقدم الحاصل في تشييد المشروعات ويحاولون الآن تنظيم صفوفهم لاختراق الطبقة المتضررة وجذبها إليهم.
منحتني إجازة عيد الأضحى فرصة للهروب من أجواء القاهرة الصاخبة وأحاديث نخبتها وتنظيراتهم التي لا تنتهي بشأن مآلات الأزمة الاقتصادية الراهنة، وقد أمضيت الإجازة في إحدى مدن جنوب مصر واستمعت إلى آراء عديدة لطبقة تمثل شريحة كبيرة من المواطنين تعيش بعيدا عن العاصمة لكنها تتابع الشأن العام بشغف.
هذه المرة الأولى منذ بداية حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل ثمانية أعوام أرى صوت معارضيه أعلى من مؤيديه، وكانت الأزمة الاقتصادية زاوية دارت حولها غالبية المناقشات، فلا أحد يهتم بما يدور عن الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته، ولا أحد يبدي اكتراثا بالتقديرات المصاحبة لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة والقمة المنتظر عقدها في جدة. لا صوت يعلو في مصر على صوت الاقتصاد.
من الطبيعي أن يخرج المتعاطفون مع جماعة الإخوان لنشر خطاب متشائم حيال الأوضاع الاقتصادية الراهنة، حيث وجدوا الأجواء مناسبة لتحميل النظام المصري أوزار الأزمات المعيشية التي تصاعدت الأشهر الماضية عقب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وما رافقه من تطورات على صعيد الأمن الغذائي.
والمفاجأة أن يتسرّب سريعا الإحساس بفقدان الأمل إلى الطبقة العريضة التي أيدت ثورة الثلاثين من يونيو 2013 ووقفت خلف الرئيس السيسي ودعمت إصلاحاته الاقتصادية الجريئة ودافعت عن طموحاته في استكمال المشروعات التنموية.
كسب معارضو الرئيس المصري من وراء الأزمة الاقتصادية أضعاف ما خسروه بسبب السياسة
بدأ لسان هؤلاء ينطق بالتشاؤم، ولا يعترفون بالأهمية الحيوية التي تنطوي عليها المشروعات المنتشرة في طول البلاد وعرضها، لأن النتائج المتوقعة في حاجة إلى وقت طويل، بينما الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لا تتوقف عن مداهمة الناس كل يوم.
وضعت الحالة الاقتصادية القاتمة التي يعيشها قطاع كبير من المصريين أنصار السيسي في موقف لا يحسدون عليه، لأن المعاناة لا تستثني أحدا، فالكل في الهم سواء بعد أن بلغ ارتفاع الأسعار مستوى لا تستطيع شريحة عظمى من المواطنين مجاراته، والحكومة تقف عاجزة أمام تقديم روشتة عاجلة لوقف الغليان الاجتماعي.
لم ينفع شرح الظروف العالمية التي أدت إلى أزمات لا تقتصر على مصر فقط في جذب التعاطف مع النظام الحاكم، ولم تصلح الحجج التي ساقها مؤيدو السيسي لصد هجمات معارضيه المستمرة في تقليل انتقادهم وتشفيهم، فالأوضاع الاقتصادية التي تفتك بفئة كبيرة من الناس أخرست ألسن الكثير من المدافعين عن النظام المصري.
تأتي المعضلة من تزايد انسحاب من آمنوا أن الرئيس السيسي قادر على العبور بالسفينة الاقتصادية إلى بر الأمان، وتزايد صوت من رفضوا التجاوب معه مبكرا وأصروا على موقفهم، على الرغم من أن الأوضاع كانت تبدو مبشرة في السنوات الأولى، فما حدث بسبب انتشار فايروس كورونا والأزمة الأوكرانية فاق التوقعات.
وجد مؤيدو الإخوان في الأزمات الجديدة فرصة لإحياء خطابهم السياسي الذي كاد يختفي أمام التقدم الحاصل في تشييد المشروعات، ويحاولون الآن تنظيم صفوفهم لاختراق الطبقة المتضررة من الأوضاع الاقتصادية وجذبها إليهم وتحويلها إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار، والتي ينصبّ تقييمها للنظام على ما يقدمه من مساعدات تمكّن الأفراد من تخفيف الأعباء الواقعة على كاهلهم، فما لم تكن المردودات مباشرة سوف يزداد الغضب في الشارع وقد يصبح كتلة لهب يستفيد منها الإخوان.
منحت هذه الحالة الفرصة لمروّجي الشائعات التي يتم ترديدها على أنها حقائق مسلّم بها، حتى اتسع نطاقها مع فقدان الثقة في الإعلام الداعم للرئيس السيسي، حيث تسبب تصدر بعض الوجوه المرفوضة للمشهد الإعلامي في عدم الاهتمام بخطابهم التبريري والتفسيري ولفظوا كل المعاني الإيجابية التي يحتويها، فالناس غير قادرين على الانتظار سنوات إلى حين تبدأ عجلة المشروعات التنموية في الإنتاج الملموس.
أنعشت الأزمات الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية إعلام الإخوان الذي يعتمد الآن على بعض الأرقام السلبية التي أشار إليها وزير المالية المصري محمد معيط، وبعض الخبراء الثقاة، فلا تزال أصداء حوار تلفزيوني أجراه الخبير هاني توفيق مؤخرا تثير الإحباط بعد أن قدم رؤية عن المستقبل الغامض للأوضاع الاقتصادية.
الحالة الاقتصادية القاتمة التي يعيشها قطاع كبير من المصريين وضعت أنصار السيسي في موقف لا يحسدون عليه، لأن المعاناة لا تستثني أحدا، فالكل في الهم سواء
بدأ إعلام الإخوان يسند انتقاداته إلى مسؤولين في النظام المصري، ويلعب على وتر هذه بضاعتكم، للتشكيك في كل محاولات إنقاذ سفينة الاقتصاد التي يقوم بها الرئيس السيسي، وتكريس انطباع أن الاستمرار في التأييد يمثل خطرا كبيرا، ما يؤثر في وجدان من يعرفون بـ”الموالاة” وعقولهم، وهم الذين ناصروه في مواجهة عنف الإخوان.
مهما كانت الأهداف التي يحملها منهج المكاشفة الذي قدمه وزير المالية وبعض الخبراء الأيام الماضية، فهي تصب في خانة عدم التفاؤل وأن القادم لن يصبح أفضل.
ربما تكون الأرقام المفزعة التي أعلن عنها ترمي إلى حث دول الخليج على زيادة وتيرة المساعدات لمصر قبل أن تدخل نفقا مظلما وتجلب معها نتائج تؤثر على المنطقة، لكن النتيجة الظاهرة أن قواعد التعاون في المجال الاقتصادي بدأت تتغير على غرار مجالات أخرى، في الأمن والسياسة، ما يعني أن التخويف من المخاطر الإقليمية والأسلوب التقليدي في مسألة المساعدات لن يحققا الاستجابة المنتظرة.
خسر مؤيدو السيسي في جنوب مصر الكثير من المنطق الذي اعتمد عليه خطابهم السابق، لأن المشروعات التنموية التي تمثل نقطة الضوء في النظام المصري لم تظهر ثمارها حتى الآن على فئة كبيرة من المواطنين، ولم تصل بالصورة الكافية إلى الصعيد، والذي يقارن سكانه بين ما يجري
من تطورات مذهلة في الطرق والجسور في القاهرة والساحل الشمالي وبين ما يجري في مدنهم وقراهم من إهمال.
كسب معارضو الرئيس المصري من وراء الأزمة الاقتصادية أضعاف ما خسروه بسبب السياسة، ويتبنى مؤيدو الإخوان خطابا غاية في الخطورة لأنهم يقارنون بين الأرقام التي سادت خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي وبين ما يحدث الآن على مستويات زيادة أسعار السلع الأساسية والخدمات والدولار وحجم القروض.
يتجاهل هؤلاء التحولات العالمية وانعكاساتها على الحالة المصرية ويركزون على ما يرونه تراجعا في الأحوال الاقتصادية، ما جعل مؤيدو السيسي يخفقون في مجاراة حديث الأرقام وتوابعه، وعندما يقدم من يعلمون حقائق الاقتصاد شرحا يحمل تفنيدا يبدو أشبه بالتبرير ما أدى إلى انسحاب كتلة من المؤيدين ووقوفها على أعتاب المعارضة.
يأتي الخطر من زيادة نسبة الغاضبين من النظام وعدم قدرة شريحة من المؤيدين على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية المستمرة وتسلل بعضهم إلى جبهة الرفض، وما لم توجد نافذة أمل حقيقية لفرملة الصدمات سوف يزداد المعارضون ويقل الموالون.