قبل ثلاثة أيام أُعلن في الولايات المتحدة عن انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي، بعدما قام المودعون بسحب نحو 42 مليار دولار دفعة واحدة، وذلك إثر تكبد البنك خسائر فادحة بلغت نحو 15 مليار دولار وتراجع قيمة السندات التي بحوزته.
وتردد صدى هذا الانهيار في الأسواق المالية العالمية التي بدت وكأن أزمة جديدة تحاصرها على غرار تلك الأزمة التي شهدها العالم قبل 15عاماً. ولا ريب أن الأزمة الجديدة ألقت بالكثير من الأسئلة على منصات عالم المال والأعمال في مختلف أنحاء العالم.
سيليكون فالي بنك
يعدّ بنك سيليكون فالي المصرف الأمريكي الـ16 من حيث حجم الأصول، التي تجاوزت 209 مليارات دولار في نهاية العام الماضي، فيما بلغ حجم ودائع بلغت قيمتها أكثر من 175 مليار دولار، ويشكّل إفلاسه أكبر انهيار لمصرف في الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية عام 2008.
ونشاط بنك سيليكون فالي كان يرتكز على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ويستثمر الأموال التي يودعها أصحاب تلك الشركات في السندات الأمريكية طويلة الأجل، وكان يقدم للمودعين فوائد مرتفعة، لكن مع حلول النصف الثاني من العام الماضي، غادرت البنك ودائعُ أولئك الذين آثروا الاستثمار في السندات قصيرة الأجل، على إثر رفع أسعار الفائدة في البلاد.
وعلى ضوء موجة السحوبات العاتية، واجه البنك أزمة سيولة تمثلت في عجزه عن مواصلة دفع فوائد على الودائع المتبقية، وذلك وسط تراجع عمليات الإقراض المصرفي جراء ارتفاع أسعار الفائدة على الصعيد العالمي.
لماذا تمّ إغلاق بنك “سغنتشر”
السلطات الأمريكية أغلقت يوم الأحد الماضي مصرفاً آخر وهو بنك “سغنتشر” في نيويورك. وهذا البنك الذي فقدت أسهمه ثلث قيمتها منذ مساء الأربعاء، كان هو الوحيد الذي لديه نشاطات ضمن قطاع العملات المشفرة بعد إفلاس بنك “سيلفرغيت كابيتال” الأسبوع الماضي.
ما مصير ودائع الإدخار؟
أعلنت مؤسسة التأمين على الودائع الفدرالية يوم أمس الإثنين، أنها حولت فعلياً الودائع المؤمنة وغير المؤمنة في بنك سيليكون فالي المنهار إلى “بريدج بنك”، علماً أن الحكومة الأمريكية كانت وعدت مسبقاً بوجوب حماية جميع الودائع، وشددت على ضرورة أن يكون بإمكان العملاء الوصول إلى جميع أموالهم.
واليوم الإثنين، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن دافعي الضرائب لن يحملوا مسؤولية تعويض خسائر المودعين، مؤكداً أن الأزمة تحت السيطرة.
وأشار بايدن إلى أن الحكومة تضمن أن يستعيد المودعون أموالهم لكن “لن يتحمل دافعو الضرائب أي خسائر”، موضحاً “ستأتي الأموال من الرسوم التي تدفعها البنوك لتأمين الودائع”.
ما مدى خطورة الأزمة الحالية؟
أعلن صندوق النقد الدولي يوم أمس الأحد إنه يراقب الآثار المحتملة على الاستقرار المالي بسبب انهيار بنك سيليكون فالي، وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي قوله في بيان “نراقب من كثب التطورات والآثار المحتملة على الاستقرار المالي، ولدينا ثقة كاملة بأن صناع السياسة في الولايات المتحدة يتخذون الخطوات المناسبة لمعالجة الوضع”.
ورغم ذلك، ليس ثمة دلائل، لغاية الآن، على أن الأزمة يمكن تتفاقم، ويقول الخبير المالي الألماني ومدير مركز التمويل البافاري، فولفغانغ جيركه: “إن انهيار بنك سيليكون فالي لن يعرّض سوق المال العالمي للخطر” لافتاً إلى أن القطاع المصرفي لم يسجل من قبل مخاطر من جراء تمويل بدء التشغيل للشركات الناشئة.
ويشار إلى أن مجلس الاحتياطي الفدرالي، وفي أعقاب انهيارالبنك، كشف عن برنامج قروض طارئ جديد لتعزيز قدرة النظام المصرفي الأمريكي وذلك لضمان قدرة المصارف على تلبية احتياجات جميع المودعين، وستقدم وزارة الخزانة ما يصل إلى 25 مليار دولار من صندوق استقرار الصرف كدعم لأي خسائر محتملة من برنامج التمويل.
ما هو حجم المخاطر بالنسبة للبنوك الأوروبية؟
أكد مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي باولو جينتيلوني الإثنين أن انهيار بنك سيليكون فالي في الولايات المتحدة لا يمثّل تهديداً خطراً لأوروبا، في ظل مخاوف المستثمرين من إمكانية انتقال العدوى.
وقال جينتيلوني للصحافيين في بروكسل مع تراجع الأسهم الأوروبية بشكل كبير في تداولات فترة بعد الظهر إن “احتمال التأثير غير المباشر هو أمر علينا مراقبته، لكنني لا أرى حالياً في الأمر خطراً كبيراً”.
فرنسا
في فرنسا التي تتابع بهدوء تطورات الأزمة المالية التي أنتجها انهيار بنك سيليكون فالي، قال وزير الاقتصاد والمالية، برونو لومير: ” نراقب عن كثب الوضع في الولايات المتحدة، ولا نرى أي خطر، لذلك لا يوجد تحذير محدد بشأن النظام المصرفي الفرنسي”، مؤكداً على أن بلاده لديها بنوك قوية ونظام مصرفي قوي، على حد وصفه.
بريطانيا
أما في بريطانيا، فقد استحوذ مصرف “إتش إس بي سي” الفرع البريطاني لبنك سيليكون فالي الأمريكي لقاء مبلغ رمزي قدره جنيه إسترليني واحد.
وقال المدير التنفيذي نويل كوين: إن “هذا الاستحواذ له معنى استراتيجي ممتاز لأعمالنا في المملكة المتحدة. إنه يعزز امتيازنا المصرفي التجاري، ويعزز قدرتنا على خدمة الشركات المبتكرة وسريعة النمو، بما في ذلك في قطاعي التكنولوجيا وعلوم الحياة، في المملكة المتحدة وعلى الصعيد الدولي”.
ومن ناحيته، أوضح وزير المال البريطاني جيريمي هانت أن أي أموال حكومية لم تستخدم في العملية، مؤكداً علتى أن “يضمن حماية ودائع الزبائن وبأن بإمكانهم إجراء تعاملاتهم المصرفية كالمعتاد، من دون دعم دافعي الضرائب”.
وأضاف الوزير البريطاني قائلا ً: “أشعر بالرضا لتوصلنا إلى حل في هذه المدة القصيرة”، محذراً من خطر “جدي” على شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة التي تتعامل مع البنك الأمريكي المنهار.
ألمانيا
رأت الهيئة الفدرالية للمصارف في ألمانيا أن تداعيات إفلاس بنك سيليكون فالي على المؤسسات المالية الألمانية “محدودة للغاية”.
وقال بنك التنمية الألماني: “إن البنوك الألمانية قوية ومستقرة ولديها مرونة” مضيفاً أن أن انهيار البنك الأمريكي المذكور “لم يكن له أي تأثير على النظام المصرفي الألماني”.
وكانت الهيئة الفدرالية للرقابة المالية في ألمانيا أعلنت تجميد أصول وحدة بنك “سيليكون فالي” في البلاد، وأكدت في بيان صدر اليوم الإثنين على أنه لن يسمح للوحدة التي تحمل اسم “سيليكون فالي بنك جيرماني” ببيع الأصول أو إجراء مدفوعات لأنها معرضة لـ”خطر عدم القدرة على الوفاء بالتزاماته للدائنين”.
تأثير الأزمة على السياسة النقدية
يتوقع الاقتصاديون أن حالات الإفلاس الحالية يمكن أن يكون لها تأثير على سياسة سعر الفائدة الأمريكية، و يقول تحليل أجراه الاقتصاديان في كومرتس بنك بيرند وايدنشتاينر وكريستوف بالز: إن “من الواضح أن الزيادات الضيقة لأسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفدرالي أدت إلى الضغط على ميزانيات البنوك الأمريكية”
ميادين – وكالات