قضية ريجيني تعود لواجهة العلاقات المصرية الإيطالية

في بداية 2016 لقي طالب الدراسات العليا الإيطالي جوليو ريجيني مصرعه في القاهرة. أظهر فحص الطب الشرعي تعرضه للتعذيب قبل موته. ما الجديد في القضية؟ وما تداعياتها على مستقبل علاقات القاهرة بروما بشكل خاص وأوروبا بشكل عام؟

إجراء محاكمة في مقتل طالب الدراسات العليا جوليو ريجيني في مصر عام 2016 سيكشف حقائق “صادمة” على الأرجح. تصريح جديد على لسان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الثلاثاء (15 كانون الأول/ديسمبر 2020) يفتح باب القضية على كافة الاحتمالات.
واختفى ريجيني (28 عاماً) في القاهرة في الذكرى الخامسة لثورة 25 كانون الثاني/ يناير التي أنهت حكم الرئيس الراحل حسني مبارك عام 2011. وكان يقوم ببحث أكاديمي عن النقابات العمالية المستقلة في مصر. واشتبهت السلطات المصرية بأنه يريد أن يشعل انتفاضة، وكذلك بأنه كان يعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أو الموساد الإسرائيلي.
وحسب المعلومات المتوفرة حتى الساعة تم اختطافه من قبل أربعة عاملين في القوى الأمنية المصرية. وعُثر على جثة ريجيني في الثالث من شباط/ نوفمبر 2016 وأظهر فحص الطب الشرعي أنه تعرض للتعذيب قبل موته.

“النظام خائف”

قال مدعون إيطاليون إنهم يعتزمون اتهام أربعة ضباط كبار بأجهزة الأمن المصرية بلعب دور في القضية. وجاءت خطوة الادعاء الإيطالي بعد ما يزيد بقليل عن أسبوع من إعلان مصر في نهاية الشهر المنصرم تعليقها مؤقتاً تحقيقها في مقتل ريجيني قائلة إن لديها تحفظات على الأدلة التي جمعتها إيطاليا. وقالت النيابة العامة المصرية إنها توصلت إلى أدلة تفيد بأن تشكيلاً عصابياً سرق ريجيني بالإكراه لكنها تعتقد أن “مرتكب واقعة قتل الطالب المجني عليه لا يزال مجهولاً”.
وكان المحققون الإيطاليون والمصريون يعملون معاً، لكن مصادر قضائية إيطالية قالت لرويترز العام الماضي إن إيطاليا تشعر بالإحباط بسبب بطء وتيرة تطورات التحقيق في مصر وقررت المضي قدماً في مسار وحدها في محاولة لدفع الأمور قدماً.
“في وقت مقتل ريجيني كما اليوم تعيش مصر في زمن مظلم”، يقول الباحث السياسي أرتورو فارفيللي، مدير مكتب روما في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (ECFR). ويتابع الباحث: “سيادة القانون والحريات الأساسية لا تزال غير مضمونة. النظام خائف جداً ولا يستطيع التفريق بين ما هو خطر حقيقي وما هو ليس كذلك. ربما ترك ريجيني انطباعاً ما أثار شكوك النظام. بيد أن رد فعل النظام المصري كان عنيفاً وغبياً وجرمياً وليس بناء، إذ أنه أضر بالعلاقات مع دولة صديقة كإيطاليا”.

أدت قضية ريجيني إلى توتر في العلاقات بين القاهرة وروما. وسحبت إيطاليا سفيرها من مصر في نيسان/ أبريل 2016. ولم تعده إلا في نهاية صيف 2018.

وقال النائب العام الإيطالي ميشيل بريستيبينو إن المحادثات مع القاهرة بشأن القضية كانت “صعبة ومتعبة ومعقدة”. وبقي 39 سؤالاً من أصل 64 بلا إجابات، حسب بريستيبينو.

“قُتل عن عمد”

“كان تصرف الحكومة المصرية سيئاً بشكل مذهل. لو لم يرفض النظام التعاون منذ البداية، كان من الممكن تحقيق نتيجة مختلفة. إن عدم قدرة النظام على تقديم كبش فداء من القوات الأمنية يظهر مدى ضعف قيادة السيسي”، يقول الباحث السياسي أرتورو فارفيللي.
نجح الادعاء العام الإيطالي باستجواب عدد من الشهود من محيط أجهزة الأمن المصرية لم يتم تسميتهم بأسمائهم الحقيقية. ونقلت صحيفة “كورييري ديلا سيرا” عن أحد الشهود وصفه ما حدث أثناء استجواب ريجيني في مبنى الأمن الوطني: “كان جزء جسمه العلوي نصف عار، وعليه علامات تعذيب، وكان يهذي بكلمات بلغته (…) كان ملقى على الأرض ورأسه للأسفل (…) وكانت يداه مقيدتين (…) ورأيت أن ظهره قد أحمر”.
لا يرجع موت ريجيني، حسب النيابة العامة الإيطالية، إلى التعذيب نفسه، ولكن تم قتله “عن عمد”.

العلاقات الدبلوماسية إلى أين؟

حسب مجريات الأزمة المستمرة منذ خمس سنوات توصلت صحيفة “إل فاتو كوتيديانو” الإيطالية ذات التوجه يساري-ليبرالي إلى نتيجة قاتمة. يفتقد كاتب التعليق الإرادة عند الساسة الطليان لتوضيح القضية بكل إخلاص. ويرجع السبب إلى أن العلاقات السياسية الجيوستراتيجية مع مصر أهم من أن تتأثر بشكل دائم بسبب إعادة دراسة عملية القتل بشكل صارم، حسب رأيه. وهذا لا ينطبق على إيطاليا فقط، بل ينسحب كذلك على الاتحاد الأوروبي. “لا يمكن توقع عدالة من إيطاليا أو من الاتحاد الأوروبي، لا لجوليو ريجيني ولا لعائلته ولا للشعب المصري”.
القضية ليست قانونية ولا دبلوماسية. في نهاية الأسبوع الماضي، لخص روبرتو فيكو، رئيس مجلس النواب الإيطالي، موقف النواب. ونقلت صحيفة “لا ستامبا” عنه قوله إنه “يجب قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر”.
الباحث السياسي أرتورو فارفيللي، مدير مكتب روما في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (ECFR) يرى أنه “لا بد من قرارات شجاعة” للحكومة الإيطالية: “حتى الآن لم تكن الحكومة شجاعة. تحتاج للتعاون مع الشركاء الأوروبيين، وإلا سنرى التكريمات والجوائز للسيسي”.
قبل أيام منح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره المصري عبد الفتاح السيسي وسام جوقة الشرف وهو أعلى وسام في فرنسا. وفي بداية العام الجاري منح السيسي وسام سان جورج من أوبرا زمبر في دريسدن في ألمانيا، ما أثار عاصفة من الانتقادات حينها.

كريستن كنب/خ.س – DW

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

مجلس الأمن يفجّر الخلافات الأميركية – الإسرائيلية.. كيف قرأت “إسرائيل” الامتناع عن استخدام الفيتو؟

في اليوم الـ172 للحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة واليوم الـ16 من رمضان، رحبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقرار مجلس الأمن الدولي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وطالبت المجلس بالضغط على الاحتلال للالتزام بتطبيقه "ووقف حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
9 × 15 =