“برش رمضان” سجاد يجمع السودانيين على الإفطار في الشارع

يختلف شهر رمضان في السودان عن العادات والتقاليد في بقية الدول العربية والإسلامية، فالسودانيون لا تحلو لهم وجبة الإفطار إلا في الشارع مع ضيوف من عابري السبيل يتقاسمون معهم الوجبات والأعاصير التقليدية، ومن يتخلف عن هذه العادات فهو بخيل أو منبوذ من المجتمع.

عادة ما يسارع الصائمون في معظم البلدان العربية والإسلامية للوصول إلى منازلهم قبيل موعد أذان المغرب، طوال أيام شهر رمضان، لتناول وجبة الإفطار مع عائلاتهم، أما السودانيون فيحرصون عادة على الخروج بالطعام والشراب إلى الشارع لتناوله في تجمعات كبيرة على الرغم من الفقر وجائحة كورونا.

ويطلق على المكان المخصص للإفطار الجماعي “برش رمضان”.والبرش سجاد شعبي يصنع من سعف النخيل، وإن كان استخدامه حاليا تراجع لصالح السجاد العصري، لكن لا يزال مكان الإفطار يحمل اسمه.

وتتضارب الإحصاءات الحكومية والدولية حول نسبة الفقر في السودان، فبينما يقول تقرير للأمم المتحدة إن 46.5 في المئة من السودانيين يعيشون دون خط الفقر، تظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء السوداني للعام 2017 أن الفقر تراجع إلى 28 في المئة.

وتزداد الحاجة محليا إلى المبادرات الاجتماعية، بسبب ضغوط اقتصادية على المواطن، لاسيما بعد قيام الحكومة الانتقالية بتطبيق إجراءات اقتصادية، من بينها رفع الدعم عن الوقود والكهرباء وتحرير سعر الصرف.

ومن يفطر في بيته من السودانيين خلال شهر رمضان يعدّ بخيلا أو حتى منعزلا، لاسيّما في الأرياف والأحياء الشعبيّة في العاصمة، فالجميع يحرص على تناول الإفطار في الأماكن العامة والابتعاد عن التقوقع داخل المنازل.

عابرو الطريق والفقراء يتحلقون حول موائد مشتركة رغم الفقر وجائحة كورونا.

ولا يقتصر برش رمضان على شوارع المدن والأرياف فقط، بل يمتد على طول الطرقات العامة، ولاسيما تلك التي تصل بين المدن والقرى، إذ يحرص أهل القرى التي تمر بها تلك الطرقات على تقديم الإفطار للمسافرين، ويتنافس أهل كل قرية في حشد أكبر عدد من الضيوف.

والميزة التفضيلية والأهم لبرش رمضان، والسبب الأساسي له، هو مشاركة الإفطار مع عابري الطريق الذين حال الزمن بينهم وبين وجهتهم التي يقصدونها.

قبيل موعد الإفطار بدقائق معدودة، يقف الشباب إلى جانب الطرقات السريعة وهم يلوّحون بأياديهم لإيقاف أصحاب السيارات وإقناعهم بالنزول لتناول وجبة الإفطار واحتساء الشاي والقهوة، ومن ثم مواصلة الرحلة.

وفي بداية رمضان، يبدأ الناس في تجهيز المكان المخصص سنويا لتناول الإفطار على جانبي الشوارع الرئيسية أو الفرعية أو الميادين العامة، بتنظيفها وتحديدها بقطع من الحجارة الملونة أو على هيئة مسجد بمحراب للصلاة.

ويبدأ الإفطار بتناول التمر ثم “البليلة” وهي عبارة عن حمّص مخلوط مع أنواع أخرى من البقول المسلوقة، مضاف إليها التمر، وهو طعام لا غنى عنه عند الإفطار لدى السودانيين.

ويتناول الصائمون، بعد ذلك، عصير الليمون إذا كان الجو حارا، ويعتبر الكركدي، بلونه الأحمر من المشروبات المفضلة لدى الصائمين، خاصة وأنه يحتوي على عدة فوائد منها المساعدة على خفض ضغط الدم.

ومن المشروبات السودانية الأخرى “العرديب”، وهو النبات المعروف باسم تمر الهندي في البلاد العربية، ويستخرج عصيره بعد أن ينقع في الماء لفترة من الوقت، ثم يصفى ويشرب وله نكهة لاذعة، ولكنه العصير الشعبي المفضل لدى الكثيرين.

من يفطر في بيته خلال رمضان يعد بخيلا أو حتى منعزلا، لاسيما في الأرياف والأحياء الشعبية في الخرطوم

ويستخدم السودانيون أيضا عصير “القضيم” وهو عبارة عن ثمار صغيرة بحجم حبة الحمص الصغيرة بلون برتقالي ممزوج باللون الأحمر، ويزرع في غرب السودان.

أما عصير “الحلو مرّ” أو “الأبري” فلا تخلو منه أي مائدة رمضانيّة، فهو مشروب سوداني تقليدي يصنع يدويا ويميل إلى الطعم الحلو والمر في الوقت نفسه، وعادة ما يتمّ إعداده قبل أشهر من رمضان نظرا لصعوبة صنعه.

وتلي ذلك الوجبات العادية، وأشهرها “الويكة”، وهي نوع من البامية مع العصيدة، وهناك أيضا إدام يسمى بـ”ملاح الروب”، وهو عبارة عن لبن رائب ممزوج بقليل من الفول السوداني، و”القراصة” وهي عبارة عن عجينة قمح تخبز على صاج وتأتي على شكل دائري سميك.

ويعتبر طبق العصيدة من الوجبات التقليدية عند أهل السودان، ويتكون من خليط عجين الذرة المطهو، ويؤكل مع طبيخ “التقلية” ذات اللون الأحمر، وتتألف مكوناته من البامية الجافة المطحونة، وتسمى “الويكة” مع اللحمة المفرومة.

وبعد تناول طعام الإفطار، يحتسي الصائمون الشاي والقهوة، قبل الاستعداد لصلاة التراويح. وعادة ما لا تنتهي موائد الإفطار الجماعية التي لا تنتهي بالأكل والشرب والصلاة، وإنما تتعدى المسألة إلى مجالس سمر تستمر غالبا حتى وقت متأخر من الليل.

ويرى الكاتب السوداني أحمد عبدالله أن برش رمضان عادة سودانية متجذرة ومشبعة بروحانية الشهر الفضيل، وظلت تقاوم الحداثة.

ويشدد على أن برش رمضان قيمة تكافلية تعزز التآخي والتآلف بين الأهل والجيران الذين يقتسمون زادهم مع بعضهم البعض.

أما المواطن محمد آدم إسحق فيقول إن “الإفطار الجماعي مازال قائما على الرغم من الظروف الاقتصادية وجائحة كورونا”.

ويوضح أن “الإفطار الجماعي يستمر حتى آخر يوم في رمضان”.

ويقول المواطن عبدالكريم يوسف إن “الوضع الاقتصادي الصعب وجائحة كورونا لم يحولا دون تنظيم برش رمضان هذا العام”.

ولا يوجد تاريخ لهذه الظاهرة الرمضانية في السودان، لكن الغالبية العظمى من الناس تعتبرها قديمة ورثتها من الأجداد، ونقلها الناس معهم من الأرياف إلى المدن.

وعادة ما يتناول أهل الأرياف طعامهم وشرابهم جماعيا، لطبيعة حياتهم الرعوية والزراعية، لكنهم يتجمعون بشكل أكبر في شهر رمضان، لخصوصية الشهر الكريم.

ويُعتبر برش رمضان منتدى السودانيين الأكثر شهرة، إذ يتحول عقب الفراغ من صلاة العشاء إلى جلسة سمر تتسع للصغار والكبار معا، وتمضية الوقت بلعب الورق انتهاء بالمناقشات السياسية الحادة.

المصدر: موقع العرب

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

صحة.. الدراسة على الورق أفضل أم على الشاشات الإلكترونية؟ دراسة رائدة تجيب

أظهرت دراسة رائدة، من المقرر أن تنشر نتائجها قريبا، أن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل على الورق، وليس على الشاشات الإلكترونية، وفقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
9 ⁄ 9 =