آراء مغاربية – تونس | صناديق التبرع.. دعوة إلى التضامن أم حلول حكومية سهلة

أثار إعلان الحكومة التونسية عن إطلاقها صندوق تبرع جديدا لفائدة الفئات الضعيفة المتضررة اقتصاديا من الوباء، جدلا واسعا في البلاد، حيث لم تعد مثل هذه الصناديق تحظى بالمصداقية بسبب غموض نفقاتها، كما أنها في رأي الكثيرين مجرد حلول سهلة لا تكفي لمعالجة الأزمات الطارئة.

تلجأ الحكومة التونسية في أوقات الأزمات إلى إطلاق صناديق تبرع هدفها تحفيز المواطن على التضامن لعبور المحن التي تتعرض لها البلاد إن كانت اقتصادية أو صحية أو طبيعية بأخف الأضرار، فيما يراها مراقبون مجرد حلول حكومية سهلة وترقيعية لتطويق الأزمة بدل البحث عن بدائل جديدة وخيارات أكثر فاعلية.

وأعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي مؤخرا، عن إطلاق صندوق للتبرعات في خطوة لمساعدة الفئات الضعيفة المتضررة اقتصاديا من جائحة كورونا.

وقال المشيشي في مؤتمر صحافي إن الحكومة خصصت صندوقا للتبرعات موجها لكل التونسيين من أجل التضامن مع الفئات الضعيفة، وستخصص موارده لتعويض الآلاف ممن فقدوا أعمالهم بسبب الوباء.

وأثار إعلان الحكومة عن إطلاق صندوق جديد لمعاضدة الفقراء جدلا واسعا بين التونسيين، وتباينت الآراء بين مشكك في مصداقية مثل هذه الصناديق، وبين من يراها خطوة إيجابية تحفّز على المدّ التضامني في مواجهة الأزمات الطارئة.

ودعا نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى رفض المشاركة في حملة التبرع الأخيرة، وعزا هؤلاء الأمر إلى غموض نفقات صندوق التبرع “18- 18” الذي أطلقته الحكومة في مارس 2020 بهدف مواجهة تداعيات الجائحة.

بلعيد أولاد عبدالله: إطلاق صندوق تبرع لا يتماشى مع الواقع الاقتصادي التونسي

وتساءل النائب عن حركة الشعب بدرالدين القمودي على صفحته على موقع فيسبوك ردّا على المشيشي “أعطنا كشفا على صندوق 18-18 أولا”.

ويشير المتابعون إلى أنه على رغم الهدف الخيري لصناديق التبرع إلا أنها لم تعد تحظى بثقة الشارع التونسي، بسبب ما ارتبط بها من شكوك في تلاعب بنفقاتها وعائداتها لصالح النخب الحاكمة على مدار تاريخها.

وما زال صندوق التبرع الذي أنشاه الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي الذي أطلق عليه آنذاك صندوق “26-26” في ذاكرة التونسيين، حيث تحدثت تقارير محلية أن عائداته كانت لصالح الطبقة الحاكمة حينها، وأن المشاريع التي أطلقها النظام تحت يافطة دعم الفقراء كانت مجرد مشاريع وهمية.

الحكومة تطلق حملة من التبرعات لا تلائم المقدرة الشرائية للمواطن.

ووجدت الحكومات المتعاقبة أعقاب ثورة يناير صعوبة في إقناع التونسيين بالمد التضامني، بسبب الصورة السلبية في أذهانهم عن مثل هذه الصناديق.

ولفت محمد صادق جبنون الناطق باسم حزب قلب تونس لـ”العرب” أن “الحكومة قامت بمحاولات عديدة لإحداث صناديق لدعم الفقراء، لكن هناك ترسبات من تجارب سابقة مثل صندوق 26-26 وصندوق 18-18 الذي لم يكن موفقا كثيرا بإقرار من بعض القائمين عليه من حيث عدم ملاءمة التبرعات مع النفقات”.

وأضاف “التعاطي الإعلامي لم يكن بالوضوح المطلوب والشفافية المطلوبة في ما يخص صناديق التبرع، لذلك هناك توجس من المواطن حول كل تبرع تشرف عليه الدولة”.

وفي تقديره فإن القرار الحكومي الأخير غير صائب، وأنه كان الأجدى مشاركة القطاع الخاص من بنوك ومؤسسات في حملة التبرعات.

وعلى غرار المصداقية، يؤكد الخبراء أن المقدرة الشرائية للتونسيين اليوم لم تعد تسمح بالمشاركة في حملات تبرع، وقد تضرر الاقتصاد التونسي بشدة من جائحة كورونا، وضربت الجائحة المداخيل في قطاعات مهمة أبرزها السياحة، وزادت أعقاب الجائحة نسبة الفقر وعدد العاطلين عن العمل.

ورأى المختص في علم الاجتماع، بلعيد أولاد عبدالله أن “إحداث صندوق لجمع التبرعات لمساعدة الفئات الهشة المتضررة من تداعيات الجائحة، قرار مرتجل لا يتماشى مع الواقع الاقتصادي التونسي، خاصة بعد تدني القدرة الشرائية لجل المواطنين ومعاناتهم من عوائق مادية كبيرة وتأزمات نفسية عميقة”.

وتابع بلعيد في حديثه لـ”العرب”، “مسألة التبرعات في المخيال العام بحاجة إلى المزيد من الشفافية والحوكمة”، وقال مستدركا “لا ننسى تاريخ التبرعات في علاقة بالصندوق الوطني 26-26 وما لحق هذا الصندوق من توظيف سياسي واجتماعي.. بالتالي المواطن لديه نوع من الحذر في التعامل مع هذا البعد الخيري والتضامني”.

وما يزيد من إحراج الحكومة النفقات غير الدقيقة في ما يتعلق بصندوق التبرع الأخير 18-18، حسب تقديره.

محمد علي قيزة: الحكومة لم تتعامل بالشفافية المطلوبة في علاقة بصندوق 18 – 18

ويعتقد بلعيد أن إجراءات الحكومة الأخيرة انتقائية لصالح الأغنياء ولوبيات السياسة مقارنة بالواقع الاجتماعي، وهو ما فسر ردة الفعل الغاضبة في مواقع التواصل بمجرد إعلان الحكومة عن صندوق تبرع جديد.

ويقول المتابعون إنه في ظل الاستياء الشعبي من تردي الأوضاع المعيشية وسط انهماك النخب الحاكمة في معارك على النفوذ والصلاحيات، فإن هذا المناخ المأزوم لا يحفز المواطن على المشاركة في التبرعات.

ويؤكد الكثيرون من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة أنهم غير مستعدين لدفع تكلفة الأزمة بمفردهم، فيما ينشغل السياسيون بالصراع على المواقع.

وأشار محمد علي قيزة أمين عام الكنفيدرالية العامة التونسية للشغل في حديثه لـ”العرب”، إلى أن “صندوق التبرع الخيري الذي أطلقته الحكومة مؤخرا لن يلقى صدى لدى التونسيين وذلك بسبب غياب الثقة خاصة”.

وفي اعتقاده فإن الحكومة لم تتعامل بالشفافية المطلوبة في علاقة بصندوق 18-18 الذي خصصته الحكومة على أثر الموجة الأولى للجائحة للنهوض بالقطاع الصحي. كما أن الموارد التي تم جمعها صرفت في غير محلها وبقي قطاع الصحة في وضعية متردية.

وبخصوص الحلول لمقاومة ظاهرة الفقر الذي تتوسع خارطته في البلاد، يعتقد قيزة أن الحكومة مطالبة بالقيام بدورها في علاقة بمراقبة مسالك التوزيع للحدّ من المضاربة، كذلك العمل على إرساء سياسة جبائية عادلة حتى يتسنى لها تعبئة الموارد من المتهربين وبارونات الاقتصاد الموازي.

أما الصناديق والتبرعات وكل الحلول الترقيعية الأخرى فهي لن تؤدي الواجب وستزيد من تعميق الأزمة.

ولطمأنة الشارع بشأن مصداقية صندوق التبرع الجديد، دشنت الحكومة حملة التبرع.

وأفاد وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي في تصريحات صحافية بأن أعضاء الحكومة سيتبرعون بـ50 في المئة من رواتبهم لشهر أبريل الجاري للصندوق.

وسيضاف هذا الإجراء إلى قرارات أخرى من الحكومة بهدف مساعدة هذه الفئات، ومن بينها تخصيص نسبة الثلث من قرض البنك الدولي البالغ قيمته 300 مليون دولار ستوجه للفئات نفسها. وكان البنك الدولي وافق على منح القرض على أن يوجه لدعم نحو مليون عائلة معوزة في تونس، بالإضافة إلى 100 مليون دولار لدعم حملة التطعيم ضد فايروس كورونا.

آمنة جبران – صحافية تونسية / العرب

World Opinions | Débats De Société, Questions, Opinions et Tribunes.. La Voix Des Sans-Voix | Alternative Média

تصفح ايضا

الدين والدولة في المغارب

يخيّل إليّ أن النقاش الفكري والسياسي، الذي خيض في الدول المغاربية منذ فترات الاستقلالات الوطنية الأولى، عن علاقة الدولة الوطنية بالدين الإسلامي، لم ينبن على أي أساس ديمقراطي، بل هو بالأساس تحكّمي تمنطق بالشرعية التي فازت بها القوى السياسية والمسلحة التي كافحت من أجل الاستقلال ومن إملائها، في بعض الحالات، بالقوة التحكّمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Solve : *
32 ⁄ 16 =